بات متعذراً لملمة ما يحصل في ملف الطلاب العراقيين، سواء لناحية استغلالهم بدفع رشاوى مالية طائلة لتسهيل معاملاتهم، أو لناحية تورط شبكات السماسرة في تزوير أختام وتواقيع وزارة التربية، من خلال وضع مصادقات وهمية على إفادات الثانوية العامة الصادرة من العراق. فالأمر لم يعد يقتصر على استدعاء موظفين في وزارة التربية أو مندوبي جامعات، لأخذ إفاداتهم كما حصل سابقاً، بل هناك عدد كبير من الموقوفين رهن التحقيق.
التوقيفات رهن التحقيق
تسلم التحقيق في هذا الملف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وهو ماضٍ في التوقيفات. ويوم الجمعة الفائت أوقف فرع المعلومات موظفين في لجنة المعادلات الجامعية في وزارة التربية هما ع.ش وأ.ع. وأتى ذلك بعد يومين على توقيف مندوب الجامعة الإسلامية الحالي في الوزرة م.ع والمندوب السابق ع.ن، ومندوب جامعة الجنان خ.ح وسماسرة تخليص معاملات، بتهمة تلقي ودفع رشاوى.
ووفق المعلومات، أوقف ع. ن. بينما كان يجلس في أحد المقاهي على طريق المطار، فيما أوقف م.ع. على باب الجامعة في خلدة. أي أن التوقيف لم يتم بعد استدعاء هاتفي لمجرد أخذ افاداتهما. وتلت هذه التوقيفات قيام فرع المعلومات بمصادرة هواتف موظفين في وزارة التربية يوم الخميس الفائت، ثم أوقف الموظفين ع.ش وأ.ع. يوم الجمعة. وما زال الجميع موقوفين رهن التحقيق، فيما هناك موظفون متوارون عن الأنظار.
تزوير أختام وتواقيع
التوقيفات أتت بعد إشارة قضائية من النيابة العامة المالية، والتهم الموجهة إليهم تدور حول ملفين كبيرين. الملف الأول تزوير أختام وتواقيع وزارة التربية، والملف الثاني تلقي رشاوى من الطلاب العراقيين ودفع رشاوى لموظفين في وزارة التربية. وكل ذلك يحصل من خلال تورط شبكات سماسرة في الملف، يحكى أن التوقيفات المقبلة لفرع المعلومات ستشمل العشرات منهم.
في التحقيقات السابقة التي قام بها جهاز أمن الدولة جرى التحقيق مع موظفين في لجنة المصادقات. وتم التحقيق مع بعض الموظفين أكثر من مرة ولمدة استغرقت أكثر من أربع ساعات. لكن لم يتم توقيف أي شخص. وجل ما حصل في وزارة التربية اتخاذ تدابير إدارية بحق نحو 12 موظفاً تم نقلهم إلى مكاتب أخرى. لكن ما حصل يوم الخميس الفائت أن فرع المعلومات صادر هواتف بعض الموظفين في لجنة المعادلات في وزارة التربية، بعد اعتراف مندوبي الجامعات بدفع رشاوى. وجرت محاولة من بعض الموظفين في الوزارة للاحتجاج وتنفيذ إضراب عن العمل، بحجة أن طريقة تعامل فرع المعلومات مع الموظفين غير لائقة. لكن محاولة عرقلة الإجراءات باءت بالفشل. وتبين أنه بعد التوقيف اعترف أحد الموظفين بتلقي رشاوى من مندوبي الجامعات. وبرر الأمر بأن الأموال تصرف لتأمين مستلزمات لوجستية للدائرة كي تتمكن من إنجاز المعاملات.
ملف الفساد لم يقتصر على الرشاوى. بل ثمة تزوير لأختام الوزارة. وقد أكدت وزارة التربية هذا الأمر رسمياً في بيان صدر منذ أيام قالت فيه: "سجلت المديرية العامة للتعليم العالي وجود إفادات تحمل مضامين مزوّرة و/أو تواقيع وأختام مزوّرة تخص المصادقات والمعادلات الجامعية، وقامت بإبلاغ الجهات التي تتولى التحقيق وزودتها بنسخ عن الأوراق والمستندات ذات الصلة، وهي تتابع التحقيق الذي تجريه الجهات المعنية لكشف شبكات التزوير التي تعمل، على الأرجح، خارج نطاق وزارة التربية والتعليم العالي والمؤسسات الخاصة للتعليم العالي".
تطهير في الجامعة الإسلامية
وتقول مصادر إدارية في الجامعة الإسلامية إن الرئيس حسن اللقيس أقفل هاتفه ورفض استقبال أي اتصال من بعض المسؤولين في حركة أمل، بما يتعلق بمندوبي الجامعة اللذين أوقفهما فرع المعلومات. وأبلغ المعنيين بأن لا غطاء على أحد ويجب أن تسلك التحقيقات مسارها القانوني. كما أن أبواب الجامعة مفتوحة لتوقيف أي موظف، في حال تبين أنه متورط في هذا الملف. فالجامعة هي من تقدمت بدعوى لدى النيابة العامة المالية بحق مكاتب سماسرة متورطة في شبكة الفساد. وتوسعت التحقيقات وطالت موظفين في الجامعة. ما يثبت جدية مضي الجامعة في إصلاح هيكليتها وصيانة سمعتها، جراء انفضاح ملف الفساد الكبير، منذ نحو سنتين.
ووفق مصادر مطلعة حاول المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، الذي صدّر الإشارات القضائية، جس نبض رئيس مجلس النواب نبيه برّي في هذه القضية قبل التوسع فيها. ووضعه بأجواء تفيد أنها قد تطال أشخاصاً بحركة أمل، وكان الجواب "لا غطاء على أي فاسد مهما علا شأنه حتى في الحركة". وبالتالي، أتت التوقيفات وطالت مندوب الجامعة ع.ن، الذي يعتبر من النافذين داخل حركة أمل.
تأخير المعاملات في التربية
نحو ستة آلاف طالب ينتظرون مصادقة شهادة الثانوية العامة، وآلاف الطلاب الذين ناقشوا أطروحاتهم لنيل الماجستير والدكتوراه، ما زالت معاملاتهم عالقة في لجنة المعادلات منذ العام 2021، تقول مصادر عراقية. نحو 16 ألف طالب عراقي وقعوا ضحية شبكة السماسرة جراء تأخير معاملاتهم في وزارة التربية. وتضيف المصادر أن السفارة العراقية أرسلت ملفات آلاف الطلاب بعدما تحققت من صحة صدور شهادة البكالوريوس من الجامعات العراقية، إلى لجنة المعادلات. وتسأل المصادر: لماذا تمكن موظف واحد في السفارة من إنجاز آلاف المعاملات، بعد التحقيق من صحة الصدور، بينما لا يستطيع موظفو التربية الكثر من إنجازها؟ ولماذا تتكدس المعاملات بالآلاف في لجنة المعادلات منذ سنتين؟ الجواب هو أن التأخير في المعاملات هدفه الحصول على سمسرات من الطلاب، وهذا ما أدى إلى شبكة الفساد الكبيرة التي نشهد أحد فصولها اليوم.
وتقول المصادر إنه بما يتعلق بوزارة التربية، فقد حصل فرع المعلومات على إذن ملاحقة الموظفين من وزير التربية عباس الحلبي. وأرسل مدير عام التعليم العالي بالتكليف مازن الخطيب كتاباً إلى الوزير حول المخالفات الحاصلة في الوزارة. وعندما سأل الحلبي عن ماذا سيفعل في ظل استمرار فرع المعلومات بتوقف الموظفين الآنفي الذكر، كان جوابه أن رفع يده ولم ينبس ببنت شفة، إيحاء منه فليأخذ التحقيق مجراه ويعاقب أي شخص يثبت تورطه.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها