سباق القوة الناعمة: من مونديال قطر إلى موسم الرياض

ودّعت المنطقة العربية، وخصوصاً الخليجية، عاماً واستقبلت عاماً بشعار "فوق الخيال" طبع حدثين رياضيين، أولهما مونديال قطر الاستثنائي بأرقامه، والتعجيزي بإنجازاته التي لن تتكرر في مونديال مقبل. وثانيهما المباراة الاستثنائية بفكرتها وبنجومها، والتي تسمح لنا أن نصفها بالمونديال الخاص، الذي استكمل المشهد المونديالي التنافسي غير المكتمل في الدوحة بين أعظم نجمي كرة قدم في العالم الأرجنتيني ميسي والبرتغالي رونالدو، وقدّمها لنا موسم الرياض الثالث، الذي دخل موسوعة غينيس بزائريه الإثني عشر مليوناً خلال ثلاثة أشهر، وبتلقي طلبات مليوني تذكرة لحضور المباراة على إستاد الملك فهد الدولي في الرياض القادر على إستيعاب ثمانين ألف متفرج في حالة الضرورة القصوى..

إستكمال الصراع بين البرغوت والدون
الوصول إلى الملعب استغرق ثلاث ساعات، والعامل الوحيد الذي جعلنا نتحمل البرد القارس، حرارة اللعب بين فريق العاصمة الفرنسية سان جيرمان بقيادة "البرغوت" ميسي إلى جانب البرازيلي نيمار والفرنسي مبابي، أي أبرز وأغلى وأشهر ثلاثة لاعبين في العالم حالياً، وفريق من تفاهم ناديي الهلال والنصر بقيادة الدون البرتغالي رونالدو، الخارج خائباً من مونديال الدوحة، ومن نادي مانشستر يوناتيد الإنكليزي في الحالة ذاتها، ليطل على سماء كرة القدم من خلال عقد خيالي مع النصر السعودي قارب نصف مليار يورو لمدة سنتين ونصف السنة!

لقاء موسم الرياض "فوق الخيال" كان أول إبهاراته بيع "التذكرة الخيرية" بعشرة ملايين ريال سعودي (2.66 مليون يورو)، أمّا أول أحداثه على أرض الملعب، فافتتاح ميسي التسجيل بعد ثلاث دقائق من صافرة البداية، وإدراك رونالدو ولو متأخراً التعادل من علامة الجزاء، ثم إدراكه التعادل الثاني. وهذه المرة رداً على هدف ماركينيوس من علامة الجزاء، مسجلاً هدفه الثاني في الوقت بدل الضائع قبل نهاية الشوط الأول، بينما كان نيمار أهدر ركلة "بنالتي". وإذا كان فريق ميسي فاز في المباراة (5-4) فإنّ رونالدو فاز في المباراة الخاصة مع الأرجنتيني بهدفين لهدف. وهذا هو اللقاء الأول بين المتنافسين الرئيسيين على زعامة الكرة في العالم منذ 2020، واللقاء السابع والثلاثون بينهما. ويتفوّق ميسي في الكرات الذهبية وعدد الفوز في المباريات وفي الأهداف.

العالم الكروي الذي كان أطراف الحديث عن مونديال قطر "الإعجازي" قد بدأ يخفت، أعادته مباراة موسم الرياض إلى شجون كرة القدم، ولاسيما عودة أجواء التنافس بين ميسي ورونالدو ولو لمباراة واحدة كانت حافلة بتسعة أهداف، وتخللتها إثارة لا تتوقف لمدة ساعة، قبل أن يغادر "الكبار" بمن فيهم رونالدو وميسي ونيمار ومبابي لإفساح المجال للاعبين الآخرين. أمّا في المملكة، فقد أشغل المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه، كعادته، أبناء المنطقة، ومن ذلك أنّ تغريدته عن بلوغ سعر التذكرة الخيرية عشرة ملايين ريال، تفاعل معها 9.8 ملايين مغرِد.

إسوارة حول معصمك من فتاة سعودية
مباراة موسم الرياض أتاحت لمن حضرها متابعة على الطبيعة التغييرات في بعض العادات والتقاليد الاجتماعية والحياتية في المملكة، وخصوصاً ما تقدمه هيئة الترفيه خلال مواسمها الثلاثة من حفلات ومعارض ونشاطات فنية وثقافية ورياضية وتراثية. وقد تُدهش حين تلاحظ أنّ حضور المباراة من العائلات وخصوصاً من الجنس اللطيف يتميّز عن أي دولة أخرى حتى في أوروبا، وسوف تخِف حيطتك حيال الفتاة السعودية في حالات التواجد معاً مثلاً في المصاعد، حين تتقدم منك فتاة سعودية من فرق تنظيم دخول الملعب وتحديد مقاعد الجلوس وتضع حول معصمك الإسوارة الكترونية التي تسمح لك بالتجول في المنصة، فيما ترافقك فتاة أخرى إلى الكرسي المخصص حسب البطاقة.
شخصياً كان مقعدي بين أفراد عائلة سعودية جُلها من النساء والفتيات، فعرضت تبديل المقاعد، فقالت إحداهن: لا، عادي.. ولم يتبدل الأمر إلا بعد فترة فانتقلت إلى جانب زميلي المصريين الأستاذ عمرو أديب والكابتن مدحت شلبي. والأمر اللافت للنظر أنّ تفاعل الفتيات مع وقائع المباريات والإحتفال بتسجيل الأهداف يتم بصورة عفوية وطبيعية.

عاصمة الرياضة العالمية
لا شك أنّ كرة القدم أصبحت إحدى أهم وسائل القوة الناعمة في المنطقة الخليجية، التي تصاعدت المنافسة بينها على تسمية عاصمة الرياضة العالمية وخصوصاً الدوحة والرياض، بفضل المونديال في الأولى، وفعاليات موسم الرياض في الثانية، بعدما كانت دبي في الطليعة. وطالما نحن في موسم الرياض، نذكر أنّ كأسه سبقه بليلة كأس السوبر الإيطالي في إستاد الملك فهد ذاته (فوز إنتر على ميلانو 3-صفر) وقبلهما كأس السوبر الإسباني (فوز برشلونة على ريال مدريد 3-1) من دون أن ننسى مباراة النصر السعودي مع نيو كاسل الإنكليزي الذي انتقل تمويله إلى السعودية.

يبقى القول أنّ انضمام رونالدو للنصر السعودي كانت باكورته مبشرة بالخير، قبل أن يخوض مباراته الرسمية الأولى في الدوري السعودي الأقوى في الوطن العربي يوم الأحد المقبل أمام فريق الإتفاق، والمهمة الأولى للدون البرتغالي الحفاظ على صدارة الدوري وإيقاف احتكار الهلال للقب في المواسم الثلاثة الأخيرة.