بعد تعثر تأمين الحوافز وإعلان إضراب الكرامة للمعلمين، أعلن الوزير ومديره العام عماد الأشقر توقف التعليم في دوام بعد الظهر لغير اللبنانيين. مبررًا هذا السلوك بمقولة تمييزية عنصرية تستفز الجهات الدولية "لا يجوز ألا يتعلم أبناؤنا، وأن يتعلم أولاد غيرنا. وبالتالي، نعلن توقف الدروس في مدارس بعد الظهر لغير اللبنانيين إلى حين التوصل إلى حل لمسألة التعليم قبل الظهر". ولتحقيق هذه المساواة، حسب وزير التربية، على الوزير ومديره العام وقف التدريس في مدارس الأونروا والمدارس الخاصة، ومنع نحو 60 ألف تلميذ/ة غير لبناني/ة في المدارس الخاصة من متابعة الدروس!
لكن، فيما يبدو، الوزير ومستشاريه لا يستهدفون غير اللبنانيين في قراراتهم، بل الفقراء من لبنانيين وغير لبنانيين. ويبدو أكثر أن مفهوم المساواة والعدالة لديهم مغلوط، ويتعذر على الوزارة تطبيقه على المعلمين/ات بشكل عام مقارنة بنظرائهم الموظفين/ات في القطاعات الأخرى، وبين المعلمين أنفسهم بين ملاك ومتعاقد ومستعان به، ومعلمي الخاص والرسمي والمجاني. إنتهاكات تمييزية وعنصرية ترعاها وزارة التربية، تشمل هوية الأطفال والتمييز على أساس اجتماعي/اقتصادي، وآخر على أساس الأجر والحماية الاجتماعية لمهام وظيفية من النوع والمستوى نفسه بتمييز واضح بين معلمي الملاك والمتعاقد والمستعان به والخاص والمهني.
ليست الأزمة عذرًا لهذا الفشل. فما تقدمه الوزارة من حلول ليس عادلَا ولا منصفًا، بل يمعن في انتهاك شرعة حقوق الطفل والإنسان والحقوق المدنية والاتفاقية الدولية للحقوق الاجتماعية -الاقتصادية والثقافية، والدستور، وتشويه لمبادئ الشرعات الدولية الموقعة من لبنان كمفاهيم المساواة والعدالة والإنصاف.
الهدف واضح من هذا الإجراء، تحويل النزاع بين المعلمين/ات والوزارة نحو الجهات المانحة. وهي غير معنية أصلاً برواتب المعلمين/ات والحوافز، وغير ملزمة بهما. فهل بات الأساتذة اللبنانيون لاجئين مثلاً لترعاهم منظمات دولية وتدفع رواتبهم؟! ولماذا تصر الوزارة على ابتزاز الجهات المانحة بتعطيل تعليم الفقراء من لبنانيين وغير لبنانيين وتعطيل عمل نحو 5000 موظف ومعلمّ مستعان به في تعليم بعد الظهر وعشرات آلاف الأطفال؟ المعلمون المضربون لهم حقوق لدى الدولة اللبنانية، بعضها يعود للسنة الماضية، كبدلات النقل للملاك (حسب القانون) والأجور وبدلات نقل للمتعاقدين، وحوافز لم تُدفع لمئات المعلمين، عدا عن تفاهة الأجر بعد الأزمة. اليوم، الوزير أساء إليهم وإلى كراماتهم.
ليس للجهات المانحة أي علاقة بالحوافز. فالأموال المخصصة للمشاريع المتفق عليها لم تُصرف كلها بعد، ولم تنفذ الوزارة العديد من الأنشطة، حيث تراكمت أموال من مؤتمر لندن لدعم لبنان، ولكنها مخصصة لأنشطة محدّدة وليست للحوافز. تريد الوزارة من الجهات المانحة أن تقدّم لها الأموال المتبقية من دون شروط. وهذا لن يحصل. خصوصاً اليوم، بعد هذا التدبير الصادم، حيث سيرد في تقرير المنظمات الأممية أن الحكومة اللبنانية عبر وزارة التربية و بقرار رسمي أعلنت من القصر الحكومي تدبيراً يؤكد على فعل انتهاك الشرعات الدولية بشكل مفضوح ووقح، وتتخذ إجراءات تمييزية عبر تعطيل حق التعلّم للأطفال اللاجئين والفقراء معًا. كما أدت سياستها وإجراءاتها إلى تعثر العام الدراسي للسنة الرابعة في مدارس الفقراء الرسمية، بسبب سوء إدارتها للقطاع التعليمي وانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين التربويين، ونهب حقوقهم بهندسات مالية مشبوهة للهبات والقروض. وعليه، قد تقرر المنظمات الدولية وقف كل أنواع الدعم للقطاع التعليمي وصرف نحو 10 آلاف عامل تربوي بين مدارس بعد الظهر ومشاريع اليونيسف التربوية والجمعيات الأخرى. حينها سيطرح السؤال نفسه: هل ستستطيع وزارة المال والتربية والخزينة تأمين رواتب مضاعفة لنحو 40 ألف معلّم/ة وبدلات نقل؟ ما هي كلفة توقّف التمويل لقطاع التعليم على البلد واقتصاده. وهو مصدر العملة الصعبة شبه الوحيد؟
لن تقدم المنظمات الدولية والجهات المانحة على وقف التمويل، ربما، ولكنها ستضطر إلى أخذ إجراءات أكثر صرامة وبكل دبلوماسية. فهي تعلم أن الفساد ينخر الوزارة (طالبت بتقارير الشفافية المالية). وبعض المستشارين الدوليين والسياسيين المحليين والوزارء شركاء به. لكنها ملتزمة بالتعامل مع الدولة وقنواتها الرسمية، وربما ستُجري تحديثاً أو تعديلاً، لكنها لن تتخلّى عن تعليم ودعم الفئات المستضعفة خصوصاً الأطفال. ولن يكون ذلك من خلال مؤسسات الوزارة.
كانت محاولتها الأولى والصريحة من خلال مشروع اليونيسف لإلحاق 50 ألف تلميذ/ة من المتسربين في المدارس الخاصة المجانية، بعد أن تبين عدم كفاءة الوزارة في استقطاب وتحفيز المتسربين واستحداث برامج تعليمية مناسبة لهم، تمهيدًا لضمهم للتعليم النظامي، إلا أن الوزير أوقف المشروع مطالبًا إلحاقهم بالمدارس الرسمية، فلم يلتحق التلامذة لا بالمدارس الرسمية ولا الخاصة.
يصر الوزير على جعل العقاب جماعياً وشاملاً، كما الأنظمة التوتاليتارية، "أما هذا أو لا أحد"، لكن هذا "الأحد" هم الفقراء واللاجئون والموظفون/ات المحكومون برواتب ضئيلة. نتكلّم عن الضعفاء والجماعات الهشّة، المعلمون/ات صاروا منهم. ولا تتوانى الوزارة عبر مدرائها من توجيه إنذارات وفصل وحسم رواتب لإخضاعهم وإسكاتهم. وهم تحولوا إلى جماعة هشة ضعيفة لا تملك الحماية الاجتماعية والصحية ولا قيمة لتعويضاتها حتى لو وصلوا إليها، وروابطهم ونقاباتهم أداة قمعهم الأولى.
وفيما يبدو واضحًا لكل المعنيين بالشأن التربوي أن هذا الوزير والمحيطين به وهذا العهد، بات يشكّل خطرًا متفاقمًا على التعليم في لبنان، ومسيرته منذ توليه تشير إلى تقوقع أكبر ونتائج تراجعية على مستويات مختلفة من حقوق المعلمين وحمايتهم، إلى مستوى التعليم إلى إنتهاك الحقوق البديهية للأطفال والعاملين التربويين، إلى مؤشرات فساد عالية جدًا، إلى إنفاق غير فعّال للمال العام، إلى التستّر على فضائح وسرقات واضحة، إلى قرارات ووعود لا تنفّذ، وإلى إدارة سيئة بل قاتلة لقطاع التعليم.
آن الأوان للمعلمين/ات بمختلف تسمياتهم وللعاملين التربويين والمجتمع الأهلي والمدني أن يستعيد المبادرة لإنقاذ التعليم ومستقبله في لبنان، ووضع خطة عمل خارج سياق السلطة والوزارة.. أن نعمل متكاتفين لإنقاذ مستقبلنا والدفاع عن حياتنا وحياة القطاع الذي نعتاش منه وهو ركيزة مستقبل البلاد.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها