منذ عام 2019، بدأ الوضع الاقتصادي والمعيشي بالتراجع في لبنان. فرض التدهور المالي والاقتصادي تبدلًا في الطبقات الاجتماعية نتيجة تراجع قيمة الرواتب وأجور الموظفين، وبالتالي انخفاض القدرة الاستهلاكية. وفي الوقت الحالي انقسم الشعب اللبناني حسب الهرم الطبقي على الشكل الآتي: 5 في المئة ينتمون إلى طبقة الأثرياء (طبقة بقيت ثابتة)، 35 في المئة طبقة وسطى، 30 في المئة فوق خط الفقر، و30 منهم ما دون خط الفقر.
وتشير أرقام الدولية للمعلومات إلى أن 60 في المئة من اللبنانيين فقراء. وتقول تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) والبنك الدولي، إلى إن 80- 85 في المئة من اللبنانيين يعانون من الفقر. فأي الأرقام أقرب إلى الوقع؟
الطبقة الوسطى: تحويلات ومطاعم
يرى الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين في حديث إلى "المدن" أن التفاوت في أرقام الفقر في لبنان يعود إلى أن "الاسكوا" والبنك الدولي يعتمدان قياسًا متعدد الأبعاد للفقر. مثلًا كل شخص محروم من التأمين الصحي، أو لا يدّخر ولا يمتلك عقارًا أو غير قادر على الحصول على الكهرباء..هو فقير. أما "الدولية للمعلومات" فترتكز على الفقر المطلق، أي الفقر حسب مستويات الدخل.
"المطاعم مليانة"، هي الجملة الأشهر في توصيف التناقض بين إفلاس لبنان ونكبته الاقتصادية غير المسبوقة، والمشهد العام في المجتمع. ويشير شمس الدين إلى مسألتَين هامتَين:
أولًا، يستفيد أكثر من مليون لبناني، أي ما يعادل حوالى 230- 250 ألف أسرة، من التحويلات الأجنبية. وهؤلاء من الطبقة الوسطى. وفي حال ارتاد ربعهم فقط المطاعم نشهد مطاعم ممتلئة بالزبائن. ثانيًا، حوالى 3-4 آلاف مطعم ومقهى أقفلت منذ بداية الأزمة، ما فرض ضغطًا كبيرًا على المطاعم الباقية.
رغم انحدارها الكبير، يدحض شمس الدين توقعات اختفاء الطبقة الوسطى في لبنان: "لا زالت قادرة على الاستمرار، ومن المبكر الحديث عن اختفائها".
الطبقة الوسطى اختفت؟
في المقابل، يجمع علماء الاجتماع والنفس على أن هناك معطيات حياتية يومية تلعب دورًا في غرق المواطن في أزماته المتعددة، ما يشير إلى انهيار الطبقة الوسطى: أزمة البنزين وطوابير الذل، فقدان الأدوية لدى أصحاب الأمراض المزمنة، صعوبة التعليم، فاتورة اشتراك المولدات.. إلخ.
"موظفو القطاع العام أصبحوا من الطبقة الدنيا وليس من الطبقة الوسطى"، تقول المتخصصة في الاجتماعيات والنفسانيات ميسون حمزة. وتعتبر أن المجتمع اللبناني انقسم إلى طبقتَين: طبقة عليا يجني أفرادها مردودهم المالي من خارج لبنان. ما يعني أن مدخراتهم موجودة في الخارج واستثماراتهم خارجية. وطبقة دنيا وأفرادها غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والدواء.
أما الخوف الأكبر على المجتمع اللبناني حاليًا فيكمن في عجز الدولة عن دفع رواتب موظفيها مستقبلًا، وما قد يترتب عنه من انهيارات على المستويَين المعيشي والمجتمعي، وفق حمزة.
الأمن المجتمعي
يستفيق اللبناني يوميًا على جرائم مروعة، آخرها مقتل وسرقة الصيدلانية ليلى رزق في محلة المروج-المتن الشمالي. وقبلها جريمة أنصار التي راحت ضحيتها امرأة وبناتها الثلاث. وأرقام الدولية للمعلومات تؤكد أن الأمن المجتمعي في خطر كبير. فقد ارتفعت جرائم السرقة في لبنان ما بين عامي 2019 و2021 بنسبة 270 في المئة. وجرائم القتل بنسبة 82 في المئة. وفي الأشهر الثلاثة من العام 2022 مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2021، ارتفعت جرائم القتل بنسبة 15 في المئة والسرقة بنسبة 21 في المئة.
جدول بحوادث سلب وسرقات
لا تنحصر أسباب الفوضى المجتمعية بازدياد معدلات الفقر والفجوات داخل المجتمع وحسب. بل للإجرام والسرقة خلفيات وعوامل عدة أخرى، تشمل تراخي أجهزة الأمن، سهولة التفلت من العقاب، تفشي المخدرات، والبطالة.
إدمان المخدرات
ويضع شمس الدين خطوطًا حمراء عدة تحت ظاهرة تفشي المخدرات. ويقول: "في كل مرة تقع جريمة، بعد إلقاء القبض على القاتل أو السارق، تكشف التحقيقات أن دوافع الجريمة هي سرقة من أجل شراء المخدرات".
هل وصل لبنان إلى مرحلة التدهور المجتمعي؟ تشرح حمزة أن المجتمع اللبناني ما قبل حراك 17 تشرين عام 2019، كان مستقرًا على المستوى الاقتصادي ظاهريًا فقط، نتيجة بعض مظاهر الرفاهية والرخاء التي كان يعيشها المواطن عبر امتلاكه "الكريديت كارد" وبطاقات الائتمان وقدرته على الوصول إلى خدمات الـ"في آي بي". لكن مع انقلاب الواقع الاقتصادي ظهرت آفات اجتماعية مثل السرقة والإدمان والانحراف، وخصوصًا عند الناشئة والمراهقين. وهي الفئة الأكثر حساسية وخطورة.
العدمية والانتقام
لكن الأخطر من هذا كله هو "تجذّر الانقسام والانغلاق أكثر نحو الطوائف والمذاهب والتشدد. وقد ينتج عن هذه الظواهر الميل نحو التطرف في التعامل مع الآخر. والمتطرف يُصور له دائمًا أن الآخر عدوه"، تقول حمزة.
ونتيجةً الازمة اللبنانية، خلع اللبناني رداء الثراء وارتدى ثوبًا آخر هو العدمية والإهمال. فالأزمة اللبنانية ليست وليدة أسباب آنية بل هي وليدة تراكمات متتالية وعهود من الفساد وسياسات مالية خاطئة. إنها أزمة حكم وحُكام مجرمين يعتمدون سياسة الخراب. ولعل الأخطر مجتمعيًا هو تفلت المجرمين من القانون والعقاب، ما قد يحفز مبدأ الثأر والانتقام الفردي الذي يسود أثناء الأزمات. وهنا نصل إلى الحضيض مجتمعيًا. فالدوافع الانتقامية ينجم عنها ردود أفعال غير سوية وغير متوازنة وخارجة على القانون والأعراف الاجتماعية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها