فاجأ وزير الثقافة، محمد مرتضى، اللبنانيين أمس الجمعة، إذ أصدر قراراً حمى بموجبه مبنى إهراءات القمح في مرفأ بيروت من أي مشاريع لهدمه. إذ أدخله إلى لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية. وشدّد القرار الصادر عن مرتضى أنه "لا يجوز القيام بأي عمل من شأنه تغيير الوضع الحالي للاهراءات إلا بعد موافقة وزير الثقافة المسبقة على الأعمال المراد إجراؤها والوسائل والمواد المنوي استعمالها". وذلك خلافاً للقرار الصادر عن الحكومة مجتمعةً، يوم 10 آذار، الذي وافقت فيه على "التوصيات المرفوعة من قبل اللجنة الوزارية بموضوع مبنى إهراءات القمح المعرّض للسقوط في مرفأ بيروت، وتكليف اللجنة وضع التصور العملي لتنفيذها". وهو ما يعني أنّ الوزير مرتضى أوقف مشروع هدم الإهراءات الذي وافقت عليه الحكومة على الرغم من مشاركته في الجلسة التي قرّرت هدمها! وفي تعليق أول على القرار، أكدت مصادر وزارية وحقوقية لـ"المدن" أنّ "قرار مرتضى مهمّ لجهة تأخير أي عملية لهدم الإهراءات، إلا أنه قرار يمكن التراجع عنه أو إسقاطه بقرار آخر، وبالتالي هو ليس قراراً نهائياً في منع هدم هذا المعلم".
قرار مرتضى
وأصدر أمس وزير الثقافة محمد مرتضى قراراً حمل الرقم 49/2022، أشار فيه إلى أنه "لما كانت إهراءات الحبوب في مرفأ بيروت قد شكّلت منذ تاريخ إنشائها معلماً عمرانياً حداثياً تميّزت به الواجهة البحرية للعاصمة، وارتبط موقعه وهندسته بالذاكرة اللبنانية العامة ووقف بناؤه شاهداً على التحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها بيروت على مدى أكثر من نصف قرن، ولما كانت هذه الإهراءات قد تحوّلت بعد انفجار الرابع من آب 2020 رمزاً أجمع عليه اللبنانيون بكل أطيافهم ومناطقهم، فاتحدوا أمام هول المأساة التي حلت بالوطن، وجعلوا من الإهراءات عنواناً لصفحة مؤلمة من تاريخ المدينة المتراكم، ولما كان من بالغ الأهمية المحافظة على هذه الإهراءات التاريخية واعتبارها من التراث الإنساني لكونها تجسد صورة مدينة نكبها الانفجار بشراً وحجراً، بحيث يقتضي إبراز هذه الصورة وحفظها وتوريثها للأجيال المستقبلية، لذلك أصدرت في تاريخ اليوم، وفق الصلاحيات المنوطة قانوناً بوزير الثقافة، قراراً قضى بإدخال مبنى الإهراءات في لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية، وإعلان عدم جواز القيام بأي عمل من شأنه تغيير وضعها الحالي، إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة".
تطابق مع المهندسين
بعد التدقيق في القرار الصادر عن مرتضى، يمكن الإشارة إلى تطابق موقفه وحتى بتعابيره مع الموقف الصادر عن نقابة المهندسين في بيروت بخصوص مبنى الإهراءات. وسبق للنقابة أن أصدرت بياناً، في 9 أذار الماضي، أكدت فيه على أنّ "المبنى يمثّل الذاكرة الجماعية للمدينة وسكانها"، ورفضت "إزالة شاهد على جريمة أصبات جميع السكان"، مشددةً على هوية العاصمة التي يجب المحافظة عليها ضمن رؤية شاملة واضحة لدمج المرفأ مع محيطه. ولتكريس التشابه بين موقف مرتضى وموقف نقابة المهندسين، سبق لمراجع وزارية أن أكدت على أنّ الوزير نقل رأي نقابة المهندسين خلال جلسة الحكومة يوم 10 آذار التي تمّت فيها الموافقة على توصيات اللجنة الوزارية، التي قضت بضرورة هدم مبنى الإهراءات نظراً لخطورته ولكونه آيلاً للسقوط.
احتمالات مفتوحة
بالنسبة لكثيرين من المتابعين في نقابة المهندسين وفي الشأن العمراني، وحتى في ما يخص ملف انفجار مرفأ بيروت بشكل عام، لا يمكن التسليم بالمواقف الصادرة عن مرتضى أو سواه من الوزراء في الحكومة أو "أبناء السلطة السياسية التي حكمتنا وتحكمنا". المعنيون الكثيرون، يشكّكون بوجود "قطبة مخفية" وراء موقف مرتضى الرافض لهدم مبنى الإهراءات. هل تتمثّل هذه القطبة في ضمان تقاسم مشروع تلزيم هدم الإهراءات وتكليف الشركات بإعادة بنائه بين مكوّنات السلطة والحكومة؟ ربما. هل عرقلة قرار الحكومة اليوم بشأن الإهراءات، هو محاولة ضغط على مجلس الوزراء ورئيسه نجيب ميقاتي؟ ربما. هل الهدف إرضاء أهالي الضحايا والشهداء أيضاً بعد الكمّ الهائل من الإهانات السياسية والقضائية التي تمّ توجيهها إليهم وإلى قضيتهم على مدى العام الماضي؟ ربما. تبقى كل هذه الاحتمالات واردة ومفتوحة، خصوصاً أنّ الثقة بالسلطة السياسية معدومة.
للوزير مرتضى، نفسه، ملحمة سياسية وقضائية خاصة في جلسة 13 تشرين الأول الماضي الحكومية، يوم هدّد المجلس مجتمعاً باصطحاب الوزير السابق المدعى عليه في ملف انفجار مرفأ بيروت علي حسن خليل إلى كورنيش المنارة متحدياً أن يتجرأ أحد على توقيف خليل. فلا يمكن لمن يحمي المدعى عليهم ويمثّل أحزابهم، أن يكون إلى جانب ضحايا الانفجار. الوزير مرتضى، جزء من السلطة المسؤولة عن انفجار 4 آب، وعن عرقلة التحقيق في الجريمة ومنع العدالة. ولا احتمالات أخرى على هذا المستوى.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها