الثلاثاء 2022/12/27

آخر تحديث: 11:05 (بيروت)

جهد أنيلا أبي جرجس بأخلاق الطب وحرّية المريض

الثلاثاء 2022/12/27
جهد أنيلا أبي جرجس بأخلاق الطب وحرّية المريض
نحو نشر الوعي بمبدأ الموافقة الطبية المستنيرة وتكريسها (المدن)
increase حجم الخط decrease
رغم بعض القوانين اللبنانية، فضلاً عن عدد من التشريعات الدولية التّي وافقت عليها الدولة اللبنانية، والتي كرست الحقوق الشخصية للمرضى داخل دور الرعاية الصحية من مستشفيات وعيادات وغيرها، إلا أنه كباقي الحقوق المهدورة أو المغيبة أو حتّى المضمونة نظريًا، غالبًا ما قد تطفو على السطح ثغرات حقوقية، مجهرية، لكنها كفيلة بإماطة اللثام عن هشاشة فهم المواطنين لحقوقهم المكرسة من جهة، ولتقاعس بعض المسؤولين من مستشفيات وأطباء عن تبصريهم وتعريفهم بها من جهة أخرى.

لذلك، وبإشراف الأستاذة المساعدة في كلية الطب في الجامعة اللبنانية الأميركية، والحائزة على الدكتوراه في فيزيولوجيا القلب من جامعة باريس، ودبلوم من الجامعة اللبنانية في أخلاقيات مهنة الطب، أنيلا أبي جرجس،  وبالتعاون مع عدد من الباحثين والأطباء وطلاب الطب في الجامعة اللبنانية الأميركية، وكذلك باحثين في الجامعة اللبنانية (ماري ديب، دانا علم الدين، رشا ابي راضي أبي جودة، وديان لوان، جوليان معماري، روان حنيني، آلان خوري، فادي أبي مراد) والقاضي نسيب إيليا، أنجزت دراسة طبية هدفت لتقييم ومعرفة مواقف عامة السكان اللبنانيين فيما يتعلق "بالموافقة الحرّة والمستنيرة" والتّي قدمت في محصلتها نتائج جديدة في هذا الإطار تتعلق بوعي المواطنين اللبنانيين بالمكونات القانونية والأخلاقية لمبدأ الموافقة الطبية المستنيرة. وقد نُشرت الدراسة في مجلة العلمية Ethics & Behavior.

ما هي الموافقة المستنيرة؟
تشرح أبي جرجس في حديثها مع "المدن"، معنى وماهية مبدأ الموافقة الحرّة والمستنيرة والتّي ضمنها قانون رقم 574 تحت مسمى "حقوق المرضى والموافقة المستنيرة" الصادر بتاريخ 11 شباط 2004 قائلةً: "أجريت هذه الدراسة بالتعاون مع عدد من الباحثين، ذلك لأهمية هذا الموضوع من جهة كونه يتعلق أساسًا بحرّية المريض الذي بطور الخضوع لإجراء طبي، وحقه بتبصيره وإخباره بكل فوائد ومخاطر الإجراء. ومن جهة أخرى، لضرورة تعليم طلاب الطب والأطباء المشرفين حديثًا على التطبيق الفعلي على هذه الموافقة، والتّي يدرسونها في مناهجهم الجامعية خصوصاً بعدما تم إقرار القانون المتعلق بها. وفي حين تطور الطب من ممارسة أبوية إلى منهجية تركز على المريض، فبالتالي تطور معه مفهوم الموافقة الحرّة والمستنيرة لحماية حرية واستقلالية المريض وحقه باتخاذ القرار بجسده. وعلينا كعاملين في القطاع الطبي وملمين به، نشر التوعية لهذا الحق والذي تبين أن نسبةً كبيرة من المواطنين يجهلونه. فالمريض لديه في آخر المطاف حرية التصرف بجسده طالما هو مؤهل لاتخاذ القرار".

تضيف أبي جرجس: "تنطوي عملية الموافقة المستنيرة على مناقشة بين المريض والطبيب قبل البدء بالإجراء الطبي. إذ ينبغي على الأطباء تقديم المعلومات والحقائق بطريقة مفهومة وواقعية للمريض، مع عرض لمخاطر هذا الإجراء وفوائده. فضلاً عن تقديم المشورة والدعم اللازمين. إذ لا يجوز القيام بأي عمل طبي، ولا تطبيق أي علاج من دون موافقة الشخص المعني المسبقة، إلا في حالتي الطوارئ والاستحالة، ويجب أن تعطى هذه الموافقة بوضوح، أي أن تسبقها جميع المعلومات الضرورية المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون، كما يجب أن يقررها المريض بحرية ويتمكن من التراجع عنها ساعة يشاء.

الإجراء القانوني العملي
ينص القانون 574، في المادة الثانية منه، على حق كل مريض يتولى أمر العناية به طبيب أو مؤسسة صحية، بأن يحصل على المعلومات الكاملة حول وضعه الصحي. وتشمل هذه المعلومات:

الفحوص، والعلاجات، والعمليات الطبية المقترحة. كما تشمل منافعها ومضاعفاتها السلبية، والمخاطر المعهودة أو الكبرى التي تنطوي عليها، والحلول الأخرى الممكنة، فضلاً عن النتائج المتوقعة في حال عدم إجرائها.
ويقتضي في حال طرأت لاحقًا معطيات جديدة تستدعي اتخاذ قرارات جديدة، إعلام المريض بها أيضاً، عند الإمكان.
فيما عدا حالتي الطوارئ والاستحالة تعطى هذه المعلومات في الوقت المناسب، خلال حديث يجري مع الشخص المريض على انفراد.. تتم الإشارة إلى هذا الحديث مع المريض في ملفه الطبي، كما يوقعها المريض شخصياً، عند الاقتضاء، في حال كانت طبيعة التدخل الطبي أو العلاقة بين المريض وطبيبه، تجعل هذا التوقيع ضروريًا. إن توقيع المريض على استمارة موافقة معدة سلفاً لا تبرر الاستغناء عن الحديث معه".

تُشير أبي جرجس: "كما ينص القانون على تنظيمات لمن يشمله حق هذه الموافقة والذي يُطلق عليه مسمى المؤهل الراشد، والذي بلغ السن القانوني ويتمتع بكامل قواه العقلية والذهنية. أما القاصرين، ففي حال تبين أن درجة نضوجهم قد تجعلهم مؤهلين للتعبير عن مشيئتهم، فقد تؤخذ موافقتهم في المشاركة في اتخاذ القرار، غير أن هذا لا ينفي ضرورة أن يعبر أصحاب السلطة الأبوية أو الأوصياء عن هذه الموافقة، أو أن يؤكدوها قانونيًا. كذلك ما ينطبق على الراشدين الخاضعين لوصاية، فيما هناك الراشدون الذين لا يمكنهم التعبير عن مشيئتهم كالكبار في السن جدًا، أو المصابين بأمراض عقلية أو دماغية أو ذهنية تؤثر على أحكامهم كمصابي الزهايمر.
ولكن، في حال كانت صحة القاصر أو الراشد الخاضع للوصاية، أو سلامتهما الجسدية، ستتعرض للخطر بسبب رفض ممثلهما القانوني، يرفع الطبيب المسؤول الأمر إلى النيابة العامة لتأمين العناية الضرورية لهذا المريض".

العينات المشاركة في الدراسة الإحصائية
على هامش الدراسة تمّ توزيع استطلاع رأي عبر وسائل التواصل الاجتماعي على السّكان في لبنان، يقوم بتعبئته المشاركون بصورة سرية وتحت اسم مجهول. وقد شملت عينة الدراسة 500 بالغ بمتوسط عمر 36.2 – 13.5 سنة، تضم 319 أنثى و181 ذكرًا. 85.8 بالمئة من الحائزين على شهادات جامعية أو في طور حيازتها أو قد خضعوا للتعليم الثانوي أو المهني. وقد أبلغ 75.9 بالمئة منهم عن حالات دخول سابقة إلى المستشفى، بينما لم يوقع سوى 40.796 بالمئة منهم على الموافقة المستنيرة. فيما تبين أن عدداً قليلاً من المشاركين كانوا على دراية بالقانون اللبناني المتعلق بالموافقة المستنيرة (15 بالمئة)، وكانت غالبيتهم من النساء المشاركات بالاستبيان . وأشارت الدكتورة أبي جرجس "أن هذا التباين بمستوى المعرفة ارتبط ارتباطًا كبيرًا بنوع الجنس وتاريخ الخضوع لإجراء طبي وبنشاطهم الاستشفائي السّابق، وقد كان الذكور أكثر عرضة للاعتقاد بأن الموافقة الحرّة والمستنيرة لها آثار إيجابية على الصحة أكثر من الإناث في إحصاء عدد العارفين بالآثار الإيجابية للموافقة الحرّة والمستنيرة.

في المحصلة، أشارت أبي جرجس، أن الهدف الأساسي من هذه الدراسة كان تسليط الضوء على حق المواطنين بالموافقة الحرّة والمستنيرة، والذي يتم تجاهله عادةً في لبنان. إذ وبالرغم من كل التطور الطبي والتنظيمات القانونية ودورها الحاسم في العلاجات السريرية، لا تزال شريحة واسعة من اللبنانيين غير مدركة لهذا الحق ولا عن ضرورة تطبيقه.

وقد مهدت هذه الدراسة لنتائج جديدة وعلمية، من شأنها زيادة الوعي العام بأهمية الموافقة الطبية المستنيرة لجهة حق المريض وحريته بجسده. هذا وناهيك عن دور تأمين التعليم العلمي المكثف لطلاب الطب والممارسين، وضمان فهمهم لمبدأ الموافقة المستنيرة، والذي قد يؤدي طرديًا لتطور مهم وفعليّ في نظام الرعاية الصحية اللبناني.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها