تزامناً مع اليوم العالمي لحقوق الانسان، نظمت جمعية "رواد الحقوق" مؤتمراً صحافياً، اليوم السبت 10 كانون الأول، بهدف إطلاق ائتلاف تطوير نظام قيد الأحوال الشخصية، واقتراح قانون التسجيل المدني للأحوال الشخصية، بالتعاون مع الجمعيات الحقوقية والمدنية، ومنها: الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان، التجمع النسائي الديمقراطي، الحوكمة الرقمية في لبنان، مؤسسة أديان، جمعية كفى وغيرها..
شارك في المؤتمر مجموعة من السياسيين اللبنانيين، وعدد من الناشطين المدنيين إلى جانب جمع من المحامين والحقوقيين. واستضاف المؤتمر النائب جورج عقيص، القاضية فاطمة ماجد، والقاضية مايا عساف، الدكتور نديم منصوري، ومدير مكتب النائب أسامة سعد، محمد قانصو، وذلك لمناقشة الاقتراح القانوني الجديد ودعمه في مجلس النواب.
معالجة الثغرات
يهدف قانون التسجيل المدني للأحوال الشخصية إلى معالجة الثغرات الموجودة في القانون الأحوال الشخصية الحالي ومعالجتها، وأبرزها المشاكل التي يعاني منها بعض المواطنين في قيودهم. فالهدف الأساسي منه هو تسهيل معاملات المواطنين وتسريعها، ومحاولة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وذلك عن طريق تخصيص قيد فردي خاص بها بهدف احترام خصوصيتها وعدم ربط وصايتها بالرجل.
نظام المكننة
في المقابل، تكمن أهمية هذا القانون في ضرورة التخلي عن السجلات الورقية القابلة للتلف وضرورة اعتماد نظام مكننة المعلومات في الدولة اللبنانية. ولا يقصد بمكننة الأحوال الشخصية أي تعبئة المعلومات الكترونياً فقط للحصول على إخراج قيد إلكتروني، إنما الهدف الأساسي هو القدرة على تعديل معلومات أي مواطن اللبناني من دون الحاجة إلى التوجه نحو القضاء لمعالجتها.
معاناة مستمرة
تروي آية (شابة لبنانية مقيمة في بيروت، 18 عاماً) لـ"المدن"، عن معاناتها داخل المجتمع اللبناني، فقد ولدت من دون هوية وهي مكتومة القيد بسبب عائلتها التي لم تسجلّ ولادتها في الدوائر الرسمية. رفضت المدارس استقبال آية للتعلم، فحرمت من أبسط حقوقها. فاضطر أهلها إلى وضعها في مدرسة داخلية لمدة ست سنوات.
تقول آية: "المجتمع لا يرحم، عانيت كثيراً في طفولتي، وفي داخلي حقد على عائلتي التي قضت على حياتي بسبب إهمالها، وعلى المجتمع الذي يقوم بجلدنا وتهميشنا، وعلى الدولة اللبنانية التي لم تضع القوانين اللازمة لحمايتي ولمراعاة أوضاعنا". وتضيف: "يتعامل الناس مع مكتومي القيد كالأموات، فلا وجود لهم. لا يحق لهم قيادة السيارات أو الدخول إلى المستشفى أو التعلم أو السفر، حتى أنني صرت أخاف من جميع الأشخاص الذين يطلبون مني أوراقاً للتعريف عن نفسي". ولإنهاء معاناتي منذ الطفولة، قررت المواجهة ومتابعة هذه القضية مع جميع الجهات المعنية للحصول على كامل حقوقي، فمعاناة مكتومي القيد صعبة جداً، وتؤدي إلى عوائق كثيرة في المستقبل.
قوانين مجمدة
في هذا السياق، وبالرغم من تبني النائب أسامة سعد لاقتراح قانون لنظام مدني حديث وعصري لتسجيل الأحوال الشخصية في تموز 2021، إلا أن هذا القانون الإصلاحي الهادف لتحسين حياة الفرد، حوّل إلى الحكومة لدراسته، ولكنه لم يحول بعدها إلى اللجان النيابية المشتركة، وتوقف منذ العام الماضي. وهو اليوم بحاجة إلى متابعة وضغط مستمرين داخل المجلس النيابي لإقراره، حسب مدير مكتب النائب أسامة سعد، محمد قانصو، في حديثه مع "المدن".
في المقابل، يرى النائب جورج عقيص أن قانون الأحوال الشخصية يتعلق بحقوق الإنسان، وتأخر إقرار أو تعديل هذه القوانين يعود لأسباب عديدة، أبرزها أولوية مجلس النواب اليوم في معالجة الأزمة الاقتصادية، وتحقيق خطة التعافي، إلى جانب الاصلاح ومكافحة الفساد ومن ثم التوجه نحو القوانين التي تتعلق بحقوق الفرد.
إهمال واضح
في السياق نفسه، اعتبرت فاطمة ماجد، القاضية المنفردة الناظرة بقضايا الأحوال الشخصية، أنه في عام 2022 تبيّن وجود 200 مولود لم يسجل في الدوائر الرسمية ولا يملكون هوية من أصل 1200 ملف. إن هذه القضية ناتجة عن إهمال الأهالي وجهلهم بالقوانين. كما أن معظم الأخطاء الواردة في سجلات المواطنين تعود لسبب أساسي واحد، هو عدم اعتماد نظام المكننة وإدخال معلومات الفرد عن طريق الكتابة. لافتةً إلى أن القانون الحالي غير قادر على تعديل معلومات المواطن، فيلجأ الأخير إلى القضاء لتقديم استدعاء، الأمر الذي ساهم في زيادة الضغط على القضاة، وعدم تسهيل أمور المواطنين في ظل الاعتكاف القضائي.
القانون المدني للأحوال الشخصية المقترح يقضي بتحديد رقم فردي ووطني لكل مواطن بهدف حماية حريته الشخصية، كما يشدد على ضرورة حماية الأطفال من التنمر في المجتمع بسبب اختيار أسماء مهينة لهم أو غير مناسبة، وبالتالي بإمكان الطفل المعرض للتنمر معالجة هذا الموضوع عن طريق التعاون مع الاتحاد لحماية الأحداث. ومما لا شك فيه، فإن عراقيل عديدة تواجه نظام المكننة اليوم، وأهمها الحاجة إلى التمويل اللازم.
قد يكون إطلاق هذا القانون هو خطوة في غاية الأهمية لأي مواطن، ولكننا نعلم جيداً أن أسباب عدم إقرار هذا القانون يعود لأسباب سياسية ودينية ولمصالح واضحة داخل المجلس النيابي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها