قبل أيام، انتشر خبر عن إصابة مجموعة من الآباء اليسوعيين بفيروس كورونا. أصدر اليسوعيون بياناً يُؤكدون فيه الخبر. ويقولون إنهم بدأوا إجراءات العزل في ديري بيروت وبكفيا. أكثر من ذلك، أخذ الآباء على عاتقهم إعلام كُل من احتكوا به بضرورة عزل أنفسهم وإجراء الفحوص اللازمة، كي يتأكدوا أنهم لا يحملون الفيروس، وحرصاً على عدم انتقاله، بالطريقة التي حصلت معهم. الوعي هو المطلوب، هذا ما يقوله الآباء وهم في عزلتهم الاختيارية. هذا ما يسعون إلى نقله لعالم خارجي يبدو إلى الآن غير معبّأ بما فيه الكفاية بمواجهة ما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "بالحرب الصحية (..) والعدو بيننا".
عدوى إيطالية
يُرجح أن الفيروس نقله لهم شخص التقوه قبل مدة، حال معرفتهم بإصابته، تحركوا سريعاً ليعزلوا كُل من تواصل معه. ثُم، تواصلوا مع من تواصلوا معهم. راسلوا الأطباء في مستشفى أوتيل ديو الذين أعطوهم إرشادات واضحة حول كيفية القيام بالعزل بطريقة فعالة. يقول الأب غابي خيرالله: "نحن في حجر صحي في الدير بمونو وهناك ممرضون يقومون بخدمتنا ونحن في غرفنا". يضيف: "أجريت الفحوصات على الجميع، تبين أن بعضنا يحمل الفيروس بالفعل. كان الفحص سلبياً لدي، لذلك يُسمح لي بأن أمشي قليلاً على سطح الدير".
اللافت أن التواصل الوحيد الذي حصل في هذا الشأن، بالشكل الفاعل، كان بمبادرة فردية منهم مع أطباء أوتيل ديو. لا علم للأب خيرالله إذا كانت الوزارة قد تدخلت في وقت لاحق، أو عرضت أي نوع من المساعدة. الأرجح أنها لم تفعل. لكنهم حريصون على أن يُنفذوا التعليمات الطبية بحذافيرها: "حياة الناس مسؤوليتنا. وهذا ما يجب أن يقنع به كل اللبنانيين. جزء أساس من مكافحة هذا الفيروس هو الوعي. نحن الآن في غرفنا لا نحتك بأحد ولا نرى بعضنا"، يقول خيرالله.
انترنت وقراءة
ماذا عن عملكم؟ يُجيب: "غرفنا مجهزة بالانترنت وهو ما يُساعدنا على القيام بأعمالنا، فنحن في النهاية رهبنة علم، نقرأ ونكتب ونُتابع ما يحصل ونُنجز الأوراق والدراسات.. وكُل هذا مستمر ونحن في حجرنا الاختياري. مثلاً، في الغرفة المجاورة لي، نائب رئيس الجامعة، يقوم باتصال جماعي في الوقت الحالي ليتابع شؤون الجامعة والمطلوب منه. نحاول أن نقوم بكل شيء وكأننا لسنا في الحجر، يساعدنا في ذلك أيضاً أننا معتادون على القراءة، بالتالي الوقت يمضي بين الكتب بشكل سريع".
الآباء اليسوعيون، نشطوا جداً خلال 17 تشرين وما تبعها. هُم من أكثر المتمسكين والمؤمنين بالانتفاضة لأنها "خلاصنا جميعاً". أقاموا مركزاً اجتماعياً خلال الانتفاضة لمساعدة الناس المحتاجة وهو لا يزال يعمل إلى اليوم. كيف؟ يقول الأب خيرالله: "إذا أغلقنا المركز بسبب الفيروس، هناك من سيموت من الجوع، لهذا قمنا بمجموعة من الخطوات لكي نحافظ على ما نُقدمه، لذلك قمنا بتعقيم المركز، والأكل يأتي ساخناً ويوزع على الناس الذين يأتون من أكثر من منطقة للحصول على المساعدة، من دون أن ننسى تقديم النصائح اللازمة لهم لكي يُحصنوا أنفسهم في مواجهة المرض المنتشر سريعاً بين اللبنانيين".
العجيبة الحقيقية
ينظر الأب خيرالله لما يحصل اليوم بالكثير من القلق: "الكارثة الحقيقية تبدأ حين تجوع الناس"، وهو أمر يبدو أن لا مفر منه بكورونا ومن دونها في ظل هذه الطبقة السياسية الحاكمة. لكن قلقه الأكبر أيضاً يكمن في التدين الشعبي غير العقلاني. يقول مُعلقاً على ما يقوم به البعض (تراب مار شربل، والتربة الحسينية، وغيرها من هرطقات): "التدين الطبيعي وخوف الناس من الموت يدفعهم إلى التعلق بهذه الأشياء غير العقلانية. للناس الحق والحرية أن تصلّي، لكن واجبها أن تتوقى". يُضيف: "العجيبة الحقيقية هم الأطباء والممرضون والممرضات الذين يهتمون بالمصابين ويعرضون حياتهم للخطر وهم يحاولون معالجة المرضى".
"علينا واجب أخلاقي تجاه الناس. علينا حمايتهم، لا أن نصعد إلى مار شربل ونساهم بنقل الفيروس ونعرض حياتهم للخطر". رسالة الأب خيرالله إلى من يريد أن يسمع.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها