لم تنحسر ثقافة الممانعة على السياسة والعسكر بل تعدتها إلى الحدود الصحية. ففي بلاد الصباغ الأرجواني تبدو بعلبك-الهرمل وحيدة خارج سرب الخوف من تفشي كورونا، إذ يمارس "أبناء خزان المقاومة" مقاومتهم "الفيروسية" على طريقتهم الخاصة معتبرين أن نظرية المؤامرة أصدق أنباءً من الأرقام وعدّاد المرضى.
لماذا الصين وإيران؟
في القرى الممتدة من بعلبك إلى الهرمل، لا يقرأ البقاعيون إلا في "الأطلس" الصيني- الأميركي، يربطون بين الطب والسياسة ليستنبطوا أن الكورونا ليس إلا رجساً من عمل "الشيطان الأكبر". فالفيروس في البقاع صنع بأميركا إنتقاماً من الاقتصاد الصيني ومن "المد الإيراني" ليس أكثر. أما عن خلفيات الإعلان عنه لبنانياً، فليس إلا مقدمة لإلهاء الفئات المهمشة عن القضايا المعيشية وتنفيذاً لإملاءات صندوق النقد الدولي، حسب أحد رؤساء بلديات محور الصمود الطبي- السياسي.
يتحدث رئيس البلدية في إحدى المناسبات الاجتماعية من موقع المدافع عن وزير الصحة حمد حسن، فيقول:" إجراءات الوزارة ممتازة. والوزير يقوم بعمل جبار في درء الهلع من النفوس. وفيما ينفي تصريح كانون الثاني لوزير الصحة الذي حسم فيه توافر علاج كورونا في لبنان، ليؤكد أن "المؤامرة الكورونية" ليست إلا مؤامرة كونية تنطلق من أميركا لتضرب الصين مروراً بإيران لتصل إلى لبنان الممانع.
من نظرية المؤامرة إلى شماعة شباط
وليس بعيداً عن شماعة المؤامرة البيولوجية، يستخف "الريّس" بمخاطر كورونا، فيتحدث كمن يفقه بالطب ليؤكد أن "الكورونا ليست إلا رشحاً شباطياً تفشى هذه السنة استكمالاً لروايات كبار السن القروية التي تتخوف من الموت في هذا الشهر. علماً أنّ خلفيات ربط "الختايرة" بين الموت وشباط تعود للعلاقة السببية بين ارتفاع معدلات الرشح في هذا الشهر من السنة.
لكن ما يفوت "الريّس" الذي يحاضر في أبناء بلدته وبعض أبناء قرى بعلبك الهرمل، أن الفيروس مثبت علمياً وان تفشيه بدأ يدق أبواب بلاد "العم سام"، ما يدحض كل رواياته المؤامراتية.
الدواء الإيراني
بعد الإسهاب في شرح المؤامرة، وكمن يصدق على قرار "منع زرع الوهن في نفس الأمة"، يطيّب جمع من الحاضرين لكلام الريس، يتحدثون عن التطور الطبي الإيراني ومدى قدرة "الدولة الممانعة" على الصمود، ليؤكد أحد البقاعيين أن وفداً من "منظمة الصحة العالمية ذهب إلى طهران لجلب الدواء المعالج للكورونا". وفي الحقيقة أن المنظمة تزور كل البلدان الموبوءة مواكبة لهذا الداء الأممي.
بوس اللحى جزء من التصدي
وتعزيزاً لنظرية المؤامرة، وفي محاولة لإعطاء حديثه نوعاً من المصداقية لا يتوانى "طبيب الفطرة" عن مصافحة وتقبيل كل من يصادفه في المجالس الاجتماعية، الأمر الذي أصبح سلوكاً عاما على قاعدة أن "العنفوان" أقوى من المرض.
وفي هذا السياق، يبدو جلياً أن أبناء بعلبك الهرمل يصرّون على المصافحة والتقبيل، إيماناً منهم أن طريق الكورونا لن يمر من قراهم. فالتجمعات لا تزال قائمة. وزيارة القادمين من إيران تبقى واجباً. أما مبدأ الحجر فساقط حكماً من كل القواميس القروية.
وتعاونوا على قضاء الحوائج بالدعاء
واستكمالا لنظرية التخفيف من "الهول الكوروني"، وفيما لا تزال التجمعات تفعل أفعالها في هذا القضاء، بدأ التسليم بالفعل القدري الذي يغلّب الإيمان على الطب. إذ بدأ في الوسط الشيعي البعلبكي الإكثار من الأدعية والصلوات. وكأن القيمين على هذه المنطقة يسلمون أن انتشار كورونا أصبح أمراً واقعاً، وإن الركون إلى القدر ليس إلا مقدّمة للتهلكة القادمة من عدم الوقاية.
اهلعوا
وبين الإصرار على "المؤامرة الكورونية"، والإمعان في تسليم النسيج البقاعي لقدره، أصبح "الهلع" مبرراً، في مجتمع بات الجميع فيه خبراء في السياسة والعلوم، وحتى في الطب والأوبئة وابتكار العقاقير.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها