لم يمضِ عشر سنوات على صيانة كورنيش عين المريسة، بكلفة 12 مليون دولار أميركي ، حتى قامت بلدية بيروت، في أواخر كانون الثاني من العام الحالي، بالإعلان عن مشروع تطوير الكورنيش البحري للمدينة "تلبية لحاجة أهل العاصمة إلى مجال مفتوح وعام". وحسب ما جاء في إعلان رئيس بلدية بيروت، جمال عيتاني، فقد تم رصد مبلغ 25 مليون دولار أميركي لأعمال المشروع.
تدمير الشاطئ الصخري
يُلحظ في الصور المنتشرة للمشروع أنه سيتم ردم البحر، وتدمير صخور شاطىء عين المريسة، والتي تشكل إرثاً بيئياً - ثقافياً مهماً لأهالي عين المريسة ورواد المنطقة.
ووفقاً للصور أيضاً، يقضي المشروع بإزالة الحواجز الحديد الفاصلة بين الكورنيش والبحر، واستبدالها بمساحات إسمنتية ذات مستويات متدرجة، تبدأ من مستوى الطريق وتنتهي على مستوى الصخور، على أن يعاد تشجير الكورنيش، لكن بأشجار الصنوبر هذه المرة!
وأول ما يثير التساؤل حول هذا العمل "البلدي"، الذي لُزّم لشركة "رفيق الخوري للمقاولات"، أن الشركة نفسها قامت بإعداد دراسة الأثر البيئي للمشروع. وهذا يناقض تماماً الأصول. إذ لا يجوز لمقاول مشروع أن يتولى بذاته دراسة الأثر البيئي لعمله..
بداية الاعتراض
في كل الأحوال، أثارت "الماكيت" وتفاصيل هذا المشروع ردود فعل اعتراضية من قبل سكان عين المريسة، وحملة "بيروت مدينتي"، التي نظمت مؤتمراً صحافياً على كورنيش عين المريسة تحت عنوان "الكورنيش حلو.. تركوه". فيما لم يملك القيمون على المؤتمر نسخاً عن دراسة الأثر البيئي، ولا أجوبة فعلية عن مراحل المشروع، وساعة الصفر للتنفيذ، ولا عن كيفية استحصال البلدية على رخص البناء من قبل التنظيم المدني.
المخالفات القانونية
تفند الناشطة والمهندسة المعمارية، ناهد الخليل، في حديثها إلى "المدن"، المخالفات القانونية التي تعتري المشروع. أولها، "عدم قانونية تلزيم دراسة الأثر البيئي من خلال تلزيم البلدية الدراسة للشركة الهندسية نفسها التي ستتولى تنفيذ المشروع. فهذا غير قانوني، لما فيه من تضارب للمصالح". وثانيها، "مخالفة المشروع للأنظمة المطبقة التي تحكم الشاطىء، فهو يقع في المنطقة الإرث - ثقافية التاسعة لمدينة بيروت، التي يمنحها قانون البناء حماية مطلقة. إذ يحظر فيها تشييد أي أنواع البناء، أو أعمدة أو إجراء أي تدخل من شأنه إحداث أي تغيير في هيئة الموقع، أو أي تعديل للوجه الطبيعي للأرض مهما كانت خصائصه".
وتضيف الخليل: "المشروع بصورته الحالية يقضي على الشاطىء الصخري المكون من تشكيلات صخرية، موجودة حصراً على شاطىء شرق المتوسط في لبنان وفلسطين المحتلة، وفي حال طمرها فذلك يعني القضاء على التنوع البيولوجي الموجود على هذا الشاطىء".
أولويات السكان والرواد
الأهم، وقبل مناقشة هكذا مشروع، أن لأهالي عين المريسة أولويات أخرى هم بحاجة إليها، أبرزها حل مشكلة تصريف المياه الآسنة التي تلوث الكورنيش وشاطئه. فبنظر محمد دوغان، وهو من سكان المنطقة، التأهيل الحقيقي يكون بصيانة الرصيف وتأهيله، وتجهيزه بالمقاعد وسلال المهملات، إضافة إلى تجهيز الشاطىء وتنظيفه، وتأمين مداخل آمنة لولوج الرواد إليه، وزيادة عدد الحمامات العمومية على طول الكورنيش وتأهليها، والإشراف على نظافتها، إضافة إلى تأمين الحراسة اللازمة.
بدورها رولا قباني، وهي كانت من الحاضرين لدى الإعلان عن المشروع في "بيت بيروت" بصفتها من سكان عين المريسة، تقول "أن التصميم لم يتطرق إلى التعديات على طول الكورنيش، كالحمام العسكري وفندق ريفييرا ومسبح الجامعة الأميركية، وغيرها من المنشآت الشاطئية، وكأنها مؤسسات تشكل جزءاً من المشروع، ولا ينبغي المس بها!".
في المقابل، لا تزال أصوات صيادي المدينة وموانئها الثلاثة (عين المريسة، جلّ البحر، والمنارة)، خافتة تجاه المشروع. يقول الصياد محمود ياسين أنه شاهد صور المشروع على وسائل التواصل الإجتماعي، وما من أحد من المعنيين تواصل معهم للوقوف على الضرر الذي سيلحق بهم، في حال ردم الشاطىء. ويعبّر باستهزاء: "بكرا.. بس تبلش الأشغال بتفيق الناس على أرزاقها".
البلدية غائبة عن السمع
حاولت "المدن" التواصل مراراً مع رئيس بلدية بيروت، جمال عيتاني، للاطلاع على تفاصيل هذا المشروع وأسبابه والكلفة الاقتصادية له، وتسجيل رده وجوابه على كل هذه الملاحظات والاعتراضات، إلا أننا لم نلقَ جواباً. كما حاولت "المدن" التواصل مع عضو بلدية بيروت رامي الغاوي، الذي اكتفى بالقول: "المشروع عّدل. وهنالك العديد من الملاحظات التي طرحها أهالي المنطقة والنشطاء البيئيين، لكن التفاصيل بأكملها عند رئيس البلدية".
فهل يعقل أن تكون كافة التفاصيل المتعلقة بمشاريع المدينة، والتي تثير الانتقادات، جوابها فقط لدى رئيس البلدية؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها