السبت 2024/11/02

آخر تحديث: 16:15 (بيروت)

محاولات فردية للتوثيق في زمن الحرب...ولبنان الرسمي غائب!

السبت 2024/11/02
محاولات فردية للتوثيق في زمن الحرب...ولبنان الرسمي غائب!
غارة إسرائيلية على بيروت (Getty)
increase حجم الخط decrease
"إذا كان لا بد أن أموت، فلا بد أن تعيش أنت، لتروي حكايتي"، هي كلمات الكاتب والشاعر الفلسطيني رفعت العرعير، الذي استشهد أثناء تنقله من منطقة إلى أخرى في غزة لتوثيق الجرائم الإسرائيلية في سياق الحرب المستمرة، حيث يسعى كثير من الصحافيين والمصورين والكتاب والعاملين في القطاع الطبي إلى توثيق الانتهاكات الإسرائيلية.


ولا يختلف الأمر في لبنان، منذ بداية الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" قبل أكثر من عام، فقد عمد العديد من المتخصصين في موضوع الأرشفة والتوثيق إلى "النبش" في الذاكرة اللبنانية عن مجازر العدو الإسرائيلي التي بدأت قبيل الإجتياح الإسرائيلي لبيروت والجنوب. 

وينشط كل من الدكتور عباس طفيلي، ومؤسسة صفحة "أرشيف لبنان" الذي آثر عدم الكشف عن اسمه، بشكل فردي في منصة "اكس"، لمحاولة تقديم سرد تاريخي لجرائم إسرائيل، منذ العام 1948، وحقبات احتلال عديدة شهدها الجنوبيون، علماً أن هذا الأرشيف يحتاج إلى مؤسسة تضم فريقاً من موظفين للقيام بأعمال التوثيق.

أرشيف لبنان حافل بالمجازر

ويملك مؤسس صفحة "أرشيف لبنان"، أرشيفاً ورقياً والكترونياً لفترة الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، والهدف من ذلك، تعريف الجيل الصاعد على التاريخ غير المحكي أو المزور و المطموس في حقبة مهمة من تاريخ لبنان. ويقول في حديث مع "المدن": "ما أقوم به في هذه الفترة هي محاولة لإظهار فداحة الذهاب إلى خيار حرب أهلية جديدة، خصوصاً بعد ما شهدته الساحة اللبنانية من تطور وتسارع للأحداث الدراماتيكية على الأصعدة الأمنية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية في السنوات العشرين الأخيرة".


وبخصوص تركيزه على إعادة إحياء الأرشيف اللبناني في ظل الحرب الحالية، أشار مؤسس الصفحة "إلى أن الهدف الأساسي، هو إسقاط حجج من يتهم المقاومة في الداخل بأنها السبب في جر لبنان إلى حرب، وأن العدو لم يعتدِ على لبنان، في الفترة التي سبقت الوجود الفلسطيني ثم حزب الله"، وأوضح: "قمت بتوثيق عدد كبير من الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان خلال فترة 1948-1968".

وأكمل: "قام العدو آنذاك، بعمليات ذات طابع إرهابي من محاولة إسقاط طائرات مدنية وخطفها، إلى زرع العبوات قرب المدارس، وتدمير مقرات رسمية لبنانية وعربية ودولية، وإلى اعتداءات شبه يومية على قرى الجنوب والبقاع الغربي إضافة إلى أنشطة الموساد على الأراضي اللبنانية".

ومع سياسة الإشراف على المحتوى من قبل شركة "ميتا"، هناك خشية من محو الأرشيف الإلكتروني، خصوصاً أن ذلك حصل بحق صور ومقاطع فيديوهات ومواد صحافية لجرائم من غزة. وأشار مؤسس الصفحة: "سياسية ميتا حجّمت مواصلة نشاطي في فايسبوك، لكن ما زالت هناك مساحة في إكس من دون قيود كبيرة لنشر الأرشيف، خصوصاً ما يتعلق بمقاومة الإحتلال الإسرائيلي".

وقامت صفحة "أرشيف لبنان" من خلال توثيق مراحل الحرب الأهلية، بتوثيق شبه كامل لمرحلة الإجتياح الإسرائيلي للعام 1982 على مدى أربعة أشهر لتغطية الأحداث بين شهري حزيران/يونيو وتشرين الأول/أكتوبر آنذاك، مدعمة بالمصادر والصور والمقالات الصحافية، بالإضافة إلى توثيق مجازر قام بها العدو الإسرائيلي في مختلف المراحل واعتداءاته واجتياح العام 1978.


اسرائيل متفوقة بالحرب الإعلامية

وبما أن الأرشيف الإلكتروني معرض للخطر، فمن الأفضل التوثيق بمصادر من الكتب والصور. وأفاد مؤسس "أرشيف لبنان": "نحن في عصر يحبذ فيه المتلقي الحصول على المعلومة بسرعة ووضوح من دون الحاجة إلى قراءة كتب ومقالات كاملة".

وأضاف: "مازلنا متأخرين في الحرب الإعلامية مع العدو لأسباب عديدة، أبرزها أن الغالبية الساحقة من الإعلام الغربي تتبنى سردية العدو الإسرائيلي في غزة ولبنان"، متهماً وسائل الإعلام العربية وبعض وسائل الإعلام اللبنانية المحلية بـ"الترويج لوجهة نظر العدو، وشيطنة كل حركات المقاومة"، عبر "الانصياع للسردية الإسرائيلية ونقل جميع بيانات قادة العدو ومؤسساته العسكرية، بما يتعلق بإكتشاف وقصف مخازن أسلحة  تابعة للمقاومة أو سيطرة اسرائيل على قرى حدودية". 

وختم: "في المقابل نلاحظ أن وسائل الإعلام التابعة للعدو الإسرائيلي شديدة الإنضباط لناحية نقل الأخبار، خصوصاً أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تفرض رقابة وتعتيماً تلتزم بهما وسائلها الإعلامية. لأن الأمر يتعلق بالأمن القومي، وهو مصطلح لا تعيره وسائل إعلامنا أي اهتمام".

لبنان الرسمي مغيب عن التوثيق

من جهته، يقول الدكتور عباس طفيلي لـ"المدن"، أن هناك سببين دفعاه إلى بدء عملية التوثيق في "إكس": "الأول لإيضاح الصورة إلى العالم بأن مشكلة العداء مع إسرائيل لم تبدأ منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، بل من قبل. والسبب الثاني الذي استفزني هي دور وسائل الإعلام التي عملت على تكريس مقولة إن اسرائيل إذا لم نعتدِ عليها، فهي لن تعتدي علينا. ما دفعني إلى إعادة تذكير الناس بالأحداث منذ العام 1948، وصولاً إلى الحرب المندلعة".

وذكر طفيلي "بأننا على مقربة من مجزرة حولا التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في 31 تشرين الأول/أكتوبر 1948، حينما قامت بجمع الرجال والنساء وقتلهم. كل هذا التاريخ الإجرامي كان قبل الإصطفافات السياسية ونشوء حركات المقاومة وقبيل إعلان دولة الكيان الإسرائيلي. وكل هذه الإعتداءات على القرى الحدودية موثقة بالصحف التي كانت تصدر آنذاك، وكذلك في محاضر مجلس النواب. وكذلك المجزرة الإسرائيلية التي ارتكبت في قرية صلحا في القرى السبع، في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1948".


وأشار طفيلي إلى أن "لبنان الرسمي غائب عن توثيق كل المجازر التي ارتكبت سابقاً. في تاريخ لبنان الحديث، بدأت التذكير بالمجازر، من حرب عناقيد الغضب ومجزرة قانا، وصولاً للتحرير وحرب العام 2006. وما نشاهده في غزة بالصوت والصورة، عايشناه في فترة الإجتياح، وهذه محاولة لتذكير الأجيال المقبلة بأن معركتنا مع العدو طويلة، جعلت العالم يعتاش بثبات مع اسرائيل وينسى القضية الفلسطينية. والدليل على ذلك أن حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر اعادت أحياء القضية".

ورغم التاريخ الحافل للحروب الإسرائيلية، وصف طفيلي الحرب الحالية بأنها "من أخطر الحروب، خصوصاً على المحتويات التوثيقية التي تنشر. فالناس تأقلمت مع فكرة ومشاهد المجازر بحق الفلسطينيين، ولم تؤثر في العالم الغربي والعربي"، مضيفاً: "نحن كشعوب لا نملك أي منصة للتوثيق لكي تبقى للأجيال التالية. وهناك خطر وجودي بسبب الغياب الرسمي للدولة، والدول القوية التي يجب أن تحاسب العدو".

وختم طفيلي: "رأينا أن العدو الإسرائيلي يعمد إلى تدمير أماكن الأرشيف لحزب الله، تماماً كما حصل في حرب تموز 2006، خلال قصفها لقناة المنار. واليوم أيضاً مع الضرب الإسرائيلي للضاحية، قُضي على أرشيف كبير مع الحروب مع العدو. ونحن اليوم ضعفاء بالرغم من عصر الصوت والصور والمجازر على الهواء".

التوثيق يحتاج إلى حماية البيانات

من جهتها تحدثت المديرة التنفيذية لمؤسسة "مهارات" رولا مخايل لـ"المدن"، عن الركائز الأساسية للتوثيق في الحرب: "أهمها جمع الأدلة الموثوقة التي تعتمد على أدلة متحقق منها وتوثيقها وحفظها بطريقة آمنة. ومن الأدلة الموثوقة: الصور والفيديوهات وشهادات شهود عيان وضحايا ناجين من الإعتداءات. إضافة الى البيانات والمواقف الرسمية المرتبطة بمجريات الأحداث التي يتم توثيقها، ومتابعة أي تحقيق يفتح بهذا الصدد".

وأشارت مخايل إلى أنه: "من المهم أيضاً التأكد من حفظ هذه الأدلة في منصات آمنة. فالمحاسبة تتطلب وجود أدلة دامغة ومؤرخة بشكل دقيق كي يتم الرجوع إليها في وقت لاحق، سواء أمام المحاكم أو منظمات حقوق الإنسان المعنية أو لإستخدامها في تأريخ الأحداث والكتابة حولها".

وعن مواجهة الرقابة والحذف المنهجي لبعض المحتويات في وسائل التواصل الإجتماعي التي قد تعتبرها المنصات مخالفة لسياساتها المجتمعية، مثل صور العنف أو تعابير معينة يعتبرونها  تابعة لجهات تصنفها بالإرهابية، أو لخطاب يصنف بخطاب الكراهية، تشير مخايل "إلى ضرورة التوثيق الفوري عبر تقارير تنشر أو تحفظ بطرق آمنة، وهذا أمر مهم جداً. وهنا تقع على عاتق المؤسسات الإعلامية ومنظمات حقوق الإنسان مهمة توثيق ونشر الإنتهاكات بطرق آمنة".

وأكملت مخايل أنه من الضروري اليوم في عصر الرقمي "إعطاء حماية البيانات أولوية قصوى"، كما "من الضروري الإلمام بتقنيات الأمن الرقمي وإستخدام الأدوات والبرامج المفتوحة للأمان الرقمي لحماية المعلومات والبيانات من الإختراق والتلف والتلاعب".

التاريخ ليس للأقوى

وعن دور وسائل الإعلام في الحرب، تعتبر مخايل أنه "من المهم أن تلعب وسائل الإعلام دورها في محاربة التضليل الذي يكثر أثناء الحرب، ودورها في توثيق الإنتهاكات التي تشكل في لبنان جرائم حرب، لأن معظمها يخرق القانون الدولي الانساني. ويجب التركيز بالتغطية على ذلك، وتقديم روايات متعددة مهم جداً لضمان ألا يُكتب التاريخ من وجهة نظر الأقوى".

وعلقت مخايل على الفوضى الإعلامية والوقوع بالتضليل، بالقول: "الإعلام هو أحد أدوات الحرب. وعندما تحتدم المعارك ينتظم الاعلام على وقعها. ومن الضروري جداً التنبه الى البروباغندا الإعلامية التي تعتمدها اسرائيل كي يكون لدينا وعي على أساليبها ورسائلها، وأن يكون لدينا كمواطنين وكجسم إعلامي بالخصوص مناعة ضدها. فالتغطية الاعلامية أثناء الحرب لها خصوصيتها وتحدياتها، والأهم دائماً هو السعي الى الإحاطة بكل جوانب هذه الحرب بهدف إطلاع الجمهور على ما يحدث من دون الوقوع في فخ الدعاية المعادية".

وتدرك المنظمات الإعلامية والمجتمع المدني أهمية توثيق هذه الحرب، ليس فقط من أجل الحقيقة، بل لضمان ألا تمر الانتهاكات والجرائم من دون محاسبة. وعلقت مخايل بأن "مؤسسة مهارات تعمل على توثيق الإنتهاكات والاعتداءات على الصحافيين في لبنان خلال هذه الحرب الوحشية التي تستهدف لبنان، سواء لجهة القتل المتعمد للصحافيين من قبل اسرائيل أو لجهة الإنتهاكات والتحديات التي تواجه الصحافيين أثناء عملهم في تغطية الحرب. ونعتمد على تقصي حقيقة ما يحدث ميدانياً ومن الصحافيين شهود العيان".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها