في الحادي والعشرين من كانون الثاني 2018، وجّه الوزير السابق غسان حاصباني إنذاراً خطياً للمستشفى المذكور، يفيد فيه أنّه كان وكل طاقم الوزارة، وعلى رأسهم مدير العناية، على علم بالوضع المأسوي للمستشفى، داعيا إلى "ضرورة التقيّد بالشروط الصحية، ومراعاة المواصفات المطلوبة، من جميع النواحي، المنصوص عليها في القوانين المرعية، في مهلة لا تتعدى عشرة أيام، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق إدارة المستشفى، ومنها إلغاء العقد الموقّع معها وإقفال المؤسسة".
مرّت مهلة العشرة أيام، ومرّ بعدها سنة ونصف السنة حتى اليوم، ولم يرفع بالتسلسل الاداري إلى مكتب وزير الصحة أي تقرير يتعلق بالوضع الجديد لمستشفى الفنار. وهنا تحمل المصادر مدير العناية الصحية بالإنابة، المعنيّ المباشر بالإشراف على المستشفيات وتطبيقها القوانين، المسؤولية، فهو "مفوّض من الوزير لتولّي هذه المسؤولية. مع العلم، أنّ من واجبه إجراء جولات على المستشفيات بشكل دوري، كل ثلاثة أشهر، لكنه لم يفعل إطلاقا"، حسب ما تؤكد المصادر، سائلة: "على أي أساس تجدّد الوزارة العقود السنوية مع المستشفيات، والتي تتعدّى المليار لكل مستشفى، في ظلّ غياب الرقابة؟"
الأطباء المراقبون ودورهم؟
وفي وقت يشكو المواطنون من غياب الأطباء المراقبين عن المستشفيات، وتقصيرهم في القيام بواجباتهم، ما يؤدي إلى إذلال المرضى على أبواب المستشفيات، كان الحلو قد أصدر في السادس من الشهر الجاري، وبتفويض من الوزير الجديد، مذكّرة تتعلق بالطلب من الأطباء المراقبين "توقيع معاملات المرضى بدلا من مندوبي شركات التأمين TPA، لحين البتّ بموضوع التعاقد مع هذه الشركات في مجلس الوزراء". فالوزير السابق غسان حاصباني كان قد أجرى مناقصة في إدارة المناقصات عبر شروط واضحة وعناصر مفاضلة، لاختيار أفضل الشركات التي تعنى بتدقيق فواتير الاستشفاء TPA. وتم خفض الأسعار مقارنة بالسنة الماضية. وقد فازت أربع شركات، تم توزيعها بطريقة علمية على الأراضي اللبنانية كافّة، مع إضافة المستشفيات الحكومية إلى المستشفيات الخاصة على هذه الشبكة. ولفت حاصباني إلى أنه تم التأكيد في العقود مع هذه الشركات على ضرورة التشدد في التدقيق في الفروقات المتوجبة على المريض. ولفت حاصباني إلى أنه تم توسيع مهام الأطباء المراقبين لتنسيق ومراقبة العمل الميداني، مذكرًا المواطنين بأن من حقهم الحصول على فواتير. وفي حال وجود أي التباس فليراجعوا مندوب الـ TPA في المستشفى أو الطبيب المراقب.
وفي حين تنتقد هذه الجهة توقيت إصدار المذكرة، أي قبل نيل الحكومة الثقة، تؤكد مصادر وزارة الصحة على "انتهاء العقود قبل تشكيل الحكومة بأربعة أشهر، ويعود للوزير الجديد قرار تجديدها أم لا". وتعتبر الأوساط أنّ "العقد السابق مع شركات TPI كان مخالفا للأنظمة والقوانين، لأنّه كان يتوجّب أخذ رأي هيئة الاستشارات والتشريع في مجلس شورى الدولة، وليس الاكتفاء بتوقيع الوزير حاصباني وموافقة مجلس الوزراء".
تقليص القطاع العام
من جهته، يؤكد الوزير حاصباني في حديث لـ "المدن"، أنّ "الجهود التي وضعتها الوزارة في المراقبة والتدقيق وعمل الـ TPA أدّيا إلى خفض تجاوز السقف المالي، بحيث انخفض عدد بطاقات الدخول بنسبة 21 في المئة، وتجاوزات السقف المالي بنسبة 53 في المئة، من المستشفيات الخاصة"، مشيرا إلى أن "الكلفة الموضوعة لشركات التدقيق هي أربعة مليارات والوفر 33 ملياراً، علماً أنّ السقوف المالية هي توزيع لموازنات وليست صرفاً للأموال. إذ يخضع الصرف للتدقيق والرقابة والحسم قبل أن يمرّ في وزارة المال وديوان المحاسبة". ويشدّد حاصباني على "ضرورة تقليص حجم القطاع العام، والقضاء على كل أشكال التنفيعات والاستزلام والمحسوبيّات، ليس فقط من ناحية التوظيفات، بل أيضا لجهة المهام التي يقوم بها، فيتولّى القطاع الخاص الكثير من المهام بالشراكة مع القطاع العام، ما يساهم في تنظيم الادارات وتحسينها وازدهارها، ويؤمّن لها استقلالية معينة. كما يخفف الكلفة على خزينة الدولة، بدءا بكلفة رواتب الموظفين والتقاعد، وصولا إلى كلفة الدعم وكلفة الادارة وكلفة الهدر".
ويدعو نائب رئيس الحكومة الجديدة، إلى "ضرورة التعاطي مع هذه الملفات بجدية، وليس عبر إصدار قرارات تتخذ بـ"شحطة قلم"، فتساهم في زيادة الضرائب وإثقال كاهل الاقتصاد على المواطن في مكان، وفي مكان آخر تزيد دعم مؤسسات، مؤهّلة أصلا لكي تكون مستقلة، وتموّل نفسها بنفسها، لو لم تكن مرتبطة بالإدارة العامة مباشرة".
الحلو والبراءة!
وفي حين استأنف القاضي رهيف رمضان يوم الخميس، قرار إخلاء سبيل جوزيف الحلو الموقوف في قضية مستشفى الفنار بكفالة مليون ليرة، تتخوّف المصادر من "وقوع ضغوط لتبرئة الحلو، كونه محسوبا على جهة سياسية معينة. علماً بأنّ الوزير علي حسن خليل هو الذي كان عيّنه في منصبه قبل تسع سنوات، خلافا للأنظمة والقوانين".
وتشيرالمصادر إلى أنه "كان يفترض أن يتولى هذا المنصب إما الدكتور ناظم متى وإما الدكتور سليم مغربل. وهما طبيبان مثبّتان في الملاك، على عكس الحلو". متمنية على الوزير "إعادة النظر باللجان التي يرأسها الحلو، كرئيس لجنة دراسة الأخطاء الطبية مثلا. فهل يعقل أن يترأس طبيب أسنان لا يتقن جيدا اللغات الأجنبية، لجنة تتألف من أساتذة في الجامعتين الأميركية واليسوعية، وغيرها من اللجان؟"
يأمل اللبنانيون أن تحقّق الحكومة الجديدة إصلاحات جدّية في مجمل القطاعات، وعلى رأسها القطاع الصحي، فيشكّل ملف مستشفى الفنار مدخلاً إلى ورشة إصلاحية فعلية، تبدأ بمحاسبة المسؤولين المتورّطين، بواسطة تفعيل دور التفتيش المركزي في مراقبة الأطباء المراقبين وتقديم تقارير حول أدائهم، على أن تلتزم الوزراة بتطبيق قرارات التفتيش. وهنا تلفت المصادر إلى أنّه "سبق للتفتيش أن أصدر قراراً بطرد حوالى خمسين طبيباً مراقباً بتهمة التواطؤ مع المستشفيات، لكن الوزارة لم تلتزم بهذا القرار".
في المحصّلة، تدعو المصادر إلى " تفعيل عمل الأطباء المراقبين التابعين للوازرة، لأنّهم يتقاضون رواتبهم في جميع الأحوال"، داعيةً إلى " تحسين أوضاع المستشفيات الحكومية وتفعيلها، وحصر مسألة التعاقد مع الوزارة بهذه المستشفيات فقط وبالتالي تشجيع الأطباء اللامعين للتعامل معها مقابل أتعاب جيدة، ما يساهم بضبط عمليات الهدر والسرقة، وصون كرامة المواطن وتنظيم القطاع وازدهاره".
هذا الواقع يعترف به وزير الصحة الجديد الدكتور جميل جبق، كاشفاً بوجود حوالى 150 طبيبا مراقبا متعاقدا مع الوزارة، "يتقاضون رواتبهم شهريا من دون القيام بأي عمل". ويعد جبق اللبنانيين "بالمضيّ قدماً في تصحيح مسار وزارته، ودوزنة أداء موظفيها في كل الرتب والمهام والمشاريع، تأميناً لمصلحة المواطن وصحته".
فلننتظر ونرى.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها