مع تشكيل حكومة "العهد" الجديدة، تشخص الأنظار اليوم إلى أداء الوزراء الجدد، والخطوات الإصلاحية التي سيتّخذها كلٌّ وزير في وزارته، في سبيل مكافحة الفساد، ومدى جدّيّة هذه الاجراءات وفعاليّتها، لمساءلتهم ومحاسبتهم، في حال إساءة الإدارة والهدر، وتسجيل تجاوزات، وتكريس الفساد. في هذا الاطار، استوقفنا قرار صادر عن وزير الصحة د. جميل جبق في الثاني من شباط الجاري، رقمه 232/1، يتعلّق بتكليف مدير العناية الطبية، بالإنابة، بالتوقيع على تجاوز السقف المالي. وهو ما أثار علامات استفهام عديدة، حول المخالفات القانونية الفادحة في هذا القرار، الذي أقدم الوزير على إصداره حتى قبل نيل الحكومة الثقة.
تعيين الأطباء
تؤكد مصادر قانونة مطّلعة، في حديث لـ "المدن": "لا يتخلف اثنان على أنّ لا خبرة لوزير الصحة الجديد في إدارة الوزارة، كما لم يتسنّ له الوقت الكافي بعد للاطلاع على جميع ملفاته. وبالتالي، فمن الواضح أنّ هناك من يسعى، في مستهلّ عهد الوزير جبق، على تزويده بمعلومات خاطئة، تخالف أنظمة وزارة الصحة وقوانينها، وتكرّس الخلل الإداري، عوضاً عن معالجته ووضع حدّ له".
وتشدّد المصادر على أنّ "الشياطين تكمن في التفاصيل، وعليه، فإنّ الاصلاح يجب أن يبدأ في أصغر الأمور وأدقّها، لتصويب الخلل الذي يعشّش في الإدارات، علماً أنّ هذا القرار، وحده، يفضح عدد من المخالفات تكشف عورات النظام الصحي في لبنان".
في وقتٍ يأمل البعض تنفيذ ما ورد في البيان الوزاري، وتطبيق الأنظمة والقوانين، عبر ملء الشواغر في وظائف الفئة الثانية، من خلال تعيين الأطباء الذين نجحوا عام 2002، في الدورة التدريبية رقم 75 في مجلس الخدمة المدنية، والتي ترفعهم إلى الفئة الثانية، فإنّ أي وزير من كل هؤلاء الذين تعاقبوا على الوزارة، منذ أكثر من 17 عاما، لم يكلّف نفسه الاستعانة بأيّ منهم، مكتفين بتعيين أشخاص بالتكليف، لا يستوفون الشروط المفروضة لتولّيهم المناصب الموكلة إليهم".
طبيب أسنان
ومن هذا المنطلق، تكشف المصادر أنّ "المخالفة الأبرز في القرار المذكور، تتعلّق بتولّي الدكتور جوزف الحلو منصب مدير العناية الطبية بالإنابة، لأنّ العقد الذي وقّعه مع الدولة اللبنانية كان بصفته طبيب أسنان في مستوصف. وبالتالي لا يحقّ له بالمركز المذكور، ولو بالإنابة، وذلك استنادا إلى قانون الموظفين، الذي ينصّ في المادة الرابعة منه، على أنّه يفترض في كل من مدير الوقاية الصحية ومدير العناية الطبية، أن يكون قد تولّى وظيفة صحة عامة (وقاية أو علاج) في إحدى الإدارات العامة في الملاك - أ – لا تقلّ عن وظيفة رئيس دائرة، أو تعاقد مع وزارة الصحة العامة أو إحدى المؤسسات الرسمية أو عمل في ملاكاتها مدة لا تقلّ عن عشر سنوات".
وتفيد المصادر "عندما يغيب مدير العناية، يفترض أن ينوب عنه من هو أقل رتبة مباشرة أي مدير مصلحة المستشفيات والمستوصفات والمهن الطبية، أو من هو أعلى رتبة مباشرة أي المدير العام للوزارة"، مشيرة إلى أنّ " المرسوم الاشتراعي 112 ضمن الشروط العامة للترفيع من الفئة الثالثة إلى الفئة الثانية، يلزم بدوره، الموظف المثبّت في الملاك، اجتياز الدورة التدريبية للترفيع بنجاح، والتي يجريها مجلس الخدمة المدنية".
السقف المالي
إلى ذلك، ترى المصادر أنّ "توقيع مدير العناية الطبية بالإنابة على تجاوزات للسقف المالي، أمر مخالف للقانون. إذ أنّ تفويض الصلاحيات المالية والتوقيع على القضايا المالية محصور بالوزير فقط، وبعده بمدير عام الوزارة فقط". وإذ تلفت إلى أنّ " تجاوز السقف المالي هو من اختصاص القضاء المالي، من خلال إجراء عقود مصالحة مع المستشفيات المخالفة"، تؤكد المصادر أنّ "عدم فتح اعتماد في هذا الإطار، هو أيضا مخالفة قانونية بامتياز في ظلّ غياب الموازنة، وذلك وفق المادتين 59 و112 من قانون الموازنة المالية".
وهنا تعود المصادر إلى المربّع الأول لتدعو الوزير الجديد، الحازم على محاربة الفساد، إلى "أن يعمل قبل كل شيء، على مراعاة التوصيات الصادرة عن التفتيش المركزي، بإصلاح الخلل الإداري، خصوصاً فيما يتعلّق بوظائف الفئة الثانية الشاغرة في الوزارة. فيكون بذلك قد استهلّ عهده بأسلوب واعد وافتتح ورشة عمل إصلاحي يرحّب بها كل الشعب اللبناني".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها