جاءت الاحتجاجات المطلبية في زغرتا متأخرة.. لكن مثمرة. أقلّه في الظاهر. فأهالي البلدة المحتجّين نظموا مسيرة بالكمّامات وتظاهروا أمام مبنى البلدية وعمدوا إلى نقل بعض أكياس النفايات ووضعها أمام مكتب اتحاد بلديات زغرتا. في اليوم التالي، أزيلت النفايات من الشوارع ولم يبق كيس واحد في الطريق يذكّر بالأزمة. لكنّ السؤال الذي غالبا ما لا يسأله اللبنانيون هو التالي: "أين تذهب النفايات عندما لا نعود نراها؟". فإزالة النفايات من الشوارع أو تجميعها على جانب الطريق لمنع انتشارها بشكل عشوائي، هو عمل مهندس ديكور يعمل على تنسيق الزوايا وتجميلها.
بحراسة المسلحين
أين ذهبت نفايات زغرتا؟ في تغريدة على تويتر، اعتبر رئيس تيار المردة، النائب السابق سليمان فرنجية، أن "الوضع في قضاء زغرتا لم يعد يحتمل وصحتنا كما بيئتنا بخطر". وتابع: "لذا ندعو أهلنا وناسنا للوقوف معنا لأننا اتخذنا القرار بحل الموضوع سريعاً". وفي الختام، توجه فرنجية إلى أهالي منطقته: "كونوا جاهزين ومستعدين في الساعات والأيام المقبلة لحماية صحتكم وأرضكم وبيئتكم وصون كرامتكم". كان هذا بعد ظهر يوم الخميس. ولم يتم الكشف عن الحلّ قبل ساعات الليل الأولى، حين قامت الشاحنات بنقل النفايات من زغرتا إلى عقار في بلدة بشنين الواقع في القضاء نفسه.
في زحمة التظاهرات والاحتجاجات التي تعمّ المناطق اللبنانية، قام عدد من أهالي بلدة بشنّين في قضاء زغرتا بالاعتراض على نقل بلدية زغرتا-إهدن نفاياتها من مدينة زغرتا إلى عقار في بلدتهم. فجوبهوا بالضرب والاعتداء عليهم من قبل الشبان الذين واكبوا عملية النقل هذه، وتمّ نقل عدد منهم إلى المستشفيات لتضميد جروحهم.
يقول طوني فاضل لـ"المدن"، وهو أحد المحتجين الذين تمّ نقله مع أخيه إلى الطوارئ، نتيجة الاعتداء، أن "أكثر من تسعين شخصاً كانوا يؤازرون عملية النقل هذه وكان البعض منهم مسلّحاً".
وحسب رواية فاضل، فما إن ترجّل من سيارته لينقذ أخيه الذي كان يتعرض للضرب من قبل الشبان، حتى نال نصيبه هو أيضاً من الاعتداء، في حين أن القوى الأمنية الحاضرة وقفت على الحياد، ولم تتدخل لفضّ الإشكال. لا ينفي رئيس بلدية زغرتا، أنطونيو فرنجية، أن الإشكال وقع بالفعل. لكنه ينفي أن يكون الشبان مسلحين، وأن يبلغ عددهم المئة. بل يعتبر أن العدد ازداد ما إن حصل الإشكال. ويؤكد أن قطع الطرقات الذي عمد إليه أهالي البلدة للاعتراض على نقل النفايات هو أمر مخالف للقانون.
المشكلة المستفحلة
يذكّر فاضل أنه منتسب لتيار المردة، لكنه عمد إلى تمزيق بطاقة انتسابه للمردة عقب تعرضه للضرب من قبل شباب التيار. ويضيف: "حتى الساعة، لم يحاول أحد حتى الاعتذار منّا. لكن البعض بدأ يعمل لتهدئة الأوضاع وإعادة المياه إلى مجاريها". في المقابل، لا شكّ أن بلدية زغرتا-اهدن واقعة في مأزق، منذ بدء أزمة النفايات في أقضية الشمال الأربعة، في شهر نيسان الماضي بعد إقفال مطمر عدوة وعرقلة العديد من محاولات استحداث المطامر في المنطقة. يؤكد رئيس البلدية، في هذا السياق، إلى أن استحداث مطمر الحواكير ينتظر إبرام العقد مع المتعهد، ليباشر عندها الأعمال، ويتم بعدها نقل النفايات من بشنين إلى المطمر. ويشير إلى أن معمل فرز قيد الإنشاء، داعياً الأهالي إلى المباشرة بالفرز من المصدر.
وبما أنّ المحاسبة أصبحت حديث الساعة، ومطلب اللبنانيين الأول، يجوز السؤال عن الأسباب التي دفعت ببلدية زغرتا-اهدن إلى هذا الدرك؟ إنه التقاعس والإهمال والفساد المتراكم في المجالس البلدية السابقة، التي لم تتدارك الأزمة الآتية لا محال منذ بدء أزمة النفايات في بيروت عام 2015، والتي لم تفكّر بخطة تنقذها من أزمة نيسان الماضي، والتي كانت غارقة في أزمة سابقة أكبر من إقفال مطمر عدوة أمامها، وهي رمي النفايات في مطمر عدوة نفسه باعتباره من أكثر المطامر ضررا وعشوائية.
أزيلت النفايات من شوارع زغرتا، ونجحت ربما عملية صون الكرامات. ولكن ماذا عن كرامات أهالي بلدة بشنين المعترضين، في وقت يثور اللبنانيون في كافة المناطق مطالبين أولاً وأخيراً باستعادة كراماتهم المهدورة؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها