بعد إعلان فوز منتخب لبنان للفتيات دون الـ18 سنة ببطولة غرب آسيا لكرة القدم للشابات، انتشرت صورة اللاعبة الهدّافة تصرخ فرحًا في إحدى المباريات. لو لم تكن الصورة قد التقطت لها في ملعب وببدلة الرياضة، لكان خُيّل لنا أنها ثائرة في شوارع لبنان التي أصبحت ملعبا للمواطنين في مواجهة السلطة منذ 17 تشرين الأول 2019. فمنذ اندلاع الثورة وحتى لحظة فوز ليلي ورفيقاتها الشابات بالبطولة، تصدّرت نساء لبنان الخطّ الأمامي للمواجهة في التظاهرات، منذ ركلت الصبية ملك علوية مرافق وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيّب لتصبح "أيقونة الثورة". وها ليلي إسكندر في الملعب تركل الطابة مرّات سبع وتسجّل سبعة أهداف ساهمت بفوز منتخب لبنان بالبطولة لتصبح هدّافة الكأس.
فسحة الأمل
تلقّى اللبنانيون خبر فوز منتخب لبنان لشابات "صبايا الأرز" بحماس واندفاع كبيرَين. فالخبر هو الوحيد السعيد الذي سمعوه منذ بدء الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية. وهو أيضًا هدف إضافي ضد السلطة، السلطة كلها، الأبويّة والذكوريّة التي تعتبر الرياضة حكرًا على الرجال.
التقت "المدن" الشابة ليلي إسكندر، ابنة زغرتا التي تبلغ من العمر 17 عامًا، وتتحضّر لتقديم شهادة الباكالوريا في نهاية العام الدراسي الحالي. تدرك ليلي حجم النصر الذي حققه فريقها ومعناه: "قدرة المنتخب على تحقيق هذا النصر في ظلّ الأوضاع السيئة التي تمرّ بها البلاد، هو انتصار إضافي". وتتابع: "فرح اللبنانيون لفوزنا لأنه دليل على أنّ الأمل لا يزال حاضراً، ولبنان كان بحاجة لهذه الفسحة".
تعتبر ليلي أن الفرق كانت مستعدّة للفوز، وفرق البلدان الأخرى مدعومة من الدول والبلدان التي تمثّلها. وهي تعيد فوز منتخب لبنان إلى عوامل عدّة، منها فوز منتخب لبنان للناشئات (دون 15 عاماً) للقب البطولة نفسها قبل نحو أسبوعين. والعوامل الأخرى تعود للعب على أرض الملعب، ولروحية اللاعبات أثناء المباراة. تذكر ليلي أنّ المدرّب هاغوب داميرجيان كان قد حثّ اللاعبات على "اللعب على اللبناني" قبل انطلاق المباراة، أي أن تكون "روحنا بالملعب كما يكون اللبناني". وبحسب ليلي، غالبا ما تتشبّه المنتخبات بفرق أوروبية مثلا، لكنهن والمدرّب أردن أن نشبهن أنفسهن. لكن ماذا يعني أن تلعب لاعبات كرة قدم مباراتهن على اللبناني؟ تجيب ليلي: "أنّ نقاوم أكثر، أن نفكّر بلبنان على أرض الملعب، ونتذكّر أن لبنان يحتاج إلى هذا النصر أكثر من أي بلد آخر، وأنه يستحق أن نرفع اسمه عالياً".
كرة القدم بدل الرقص
كانت الأمور واضحة وجلية لليلي منذ الصغر: تحب كرة القدم ولا تحب الرقص. تذكر كيف أنّ كرة القدم كانت حاضرة في بيتها دائماً. وكان أخواها الأكبر منها سنا يتدرّبان مع فريق السلام - زغرتا. وتضيف: "كنت ألعب كرة القدم، وأودّ لو يكون لزغرتا فريق للشابات كفريقها للشبّان". اضطرت ليلي للعب مع الشبّان مدّة سنوات ثلاث تعرّضت خلالها للانتقاد ممّن همسوا لها أنّها صبيّ لأنها تلعب مع الصبيان. على الرغم من إقرار اللاعبة الهدّافة بأنّ الانتقادات أثّرت عليها، تؤكد أنها دفعتها إلى الاستمرار في اللعب لتثبت أنّ كرة القدم للنساء كما هي للرجال، أو للبنات كما هي للصبيان.
أثناء هذه السنوات الثلاث، استفادت ليلي من التمارين واللعب مع الشبان، خصوصاً أنّها لم تتلق أي معاملة خاصة لكونها شابّة. وتعتقد أن تجربتها هذه، الفريدة - إذ نادرا ما تتدرب الشابات مع الشبّان - أعطتها الكثير. بعد ذلك أصبح لزغرتا فريقاً للشابات. سرعان ما انضمت إليه ليلي قبل أن تنضم أخيراً إلى فريق نجوم الرياضة. الطريق طويلة، وهي لا تزال في أوّلها، وتساءلت ليلي ألف مرّة: "شو بدي بهالشغلة؟". لكنها عرفت تماما ما الذي تريده من هذه الرياضة: "أحبّ كرة القدم، وأحب الفوز، وحاولت الالتحاق بصفوف الرقص كالفتيات الأخريات، لكن رغبتي بلعب كرة القدم بقيت على حالها".
وتعتبر ليلي أن الصورة الأشهر التي انتشرت لها هي أكثر ما يعبّر عنها وعن شغفها باللعبة وعن إصرارها على الفوز. لكن الفوز ليس سهلا، بحسبها هي التي تغتنم الفرصة على طريق زغرتا - بيروت التي تسلكه يوميا لحضور التمارين مع الفريق، كي تنجز دروسها فيما يتكفّل جدّها قيادة السيارة وانتظارها ريثما تنهي التمارين.
صبيّة الرياضة
تفرح بفوز منتخب لبنان للشابات، وتعتبره دليلاً إضافيّاً إلى أنّ مباريات الشابات تستحق أن تنقل نقلاً تلفزيونياً مباشراً، شأن مباريات الرجال. وهي متفائلة وعلى ثقة بأنّ اهتمام الناس باللاعبات أصبح أكبر ، ولم يعد يقتصر على اللاعبين وحدهم.
وتقول: "نعيش في مجتمع ذكوريّ. لذلك أنا أفرح في كلّ مرة تنجح صبيّة أو امرأة في تحقيق إنجاز ما في عالم الرياضة في لبنان". تشكي ليلي من أنّ عدداً من الناس من حولها كانوا يسمونها "صبي"، عندما كانت صغيرة لأنها تلعب كرة القدم. ومنهم الأطفال الذين كانوا أصغر سنا منها. هذه المضايقات تركت في نفسها أثرا كبيراً، لكنها زرعت فيها عزيمة أكبر.
هل تفكّر بهؤلاء الناس قبل دقائق من انطلاق مباراة؟ "لا أفكّر إلا بهم"، تجيب ليلي من غير تردّد. وتضيف: "لكنني حين أدخل الملعب، أفكّر طوال الدقائق التسعين بأنني أريد أن أثبت لنفسي، قبل أي شخص آخر، أنني قادرة على فعل أي شيء".
عادت ليلي إلى بلدتها زغرتا فاستقبلها الأهالي بالزغاريد. وسط فرحها بهذه اللحظة، تذكّرت المرّات التي خسر فيها فريقها، وخيبات الأمل والدموع، وتذكرت كل الذين وقفوا إلى جانبها في المباريات التي لم تحقق فيها أهدافاً، وفي طليعتهم عائلتها وبالأخص والدتها. إلى متى تدوم الاحتفالات بالنصر؟ تجيب ليلي: "لا يمكنني أن أحتفل إلى ما لا نهاية. بعد أسبوع على الفوز، أعود إلى التمارين وإلى الجدّ، لأنّ التحدي الذي خلقه الفوز بيني وبين نفسي أصبح أكبر، ولأنني أحبّ المنافسة ولا أحب الهزيمة".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها