عمل الطلاب أولاً على فهم واقع المدينة القديمة وتحديداً خطها البحري الذي يتميز بمقومات ومواقع تراثية، معمارية وحرفية واقتصادية "كمتاجر بيع الصناعة المحلية والمقاهي وسوق السمك، بالإضافة إلى المؤسسات الناشطة في المنطقة كخان الإفرنج حيث يقيم عدد من الجمعيات، مدرسة المقاصد ومبنى البلدية القريب جدا من الموقع المدروس" وفق ما يقول الطالب اللبناني الوحيد في الوفد شوقي الراسي لـ"المدن".
خلال هذه الفترة، تمكن الطلاب من زيارة المنطقة والتجوال فيها، لمراقبة مختلف جوانبها وإجراء مقابلات مع أشخاص مقيمين وأصحاب مهن في المنطقة، مثل الصيادين والحرفيين، بالإضافة إلى بعض المسؤولين كأعضاء بلدية صيدا وغيرهم.
استخلص الطلاب مجموعة توصيات عامة وخاصة، قليلة الكلفة وسهلة التنفيذ لتشجع البلدية على تنفيذها، هدفها تطوير المواقع السياحية والاقتصادية وربطها ببعضها البعض من جهة، وربط المدينة القديمة بالمدينة الجديدة والبحر. وهي المشكلة الأكبر التي تنطوي تحتها مشكلات أخرى عاينها الطلاب. "المساحات العامة والمفتوحة في هذه المنطقة كالكورنيش، ساحة باب السراي، حديقة الشيخ زايد، قصر فخرالدين وغيرها ليست مرتبطة ببعضها البعض. والجو المحيط بها لا يشجع على ارتيادها"، يقول الراسي.
في ما يلي، بعض المشكلات التي اكتشفها الوفد والتوصيات التي قدمها لحلها:
التخلص من السيارات
تكاد زحمة السيارات المارة في الواجهة البحرية والمركونة فيها تكون أكبر مشكلة تعرقل تطوير المنطقة والاستفادة منها كمنطقة أثرية وسياحية. فالسيارات تخلق تلوثاً سمعياً وبصرياً وبيئياً في آن معاً. ما يعرقل السير على الكورنيش البحري ويشوه المشهد لرواد مقاهي أبو العبد، القلعة البحرية والأسواق.
لذلك، اقترح الطلاب تعزيز دور ساحة النجمة لتخفيف عدد السيارات "إذ يوجد 3 مواقف كبيرة في ساحة النجمة، وبالإمكان ركن السيارات فيها والمشي في اتجاه شارع فخرالدين إلى الشاكرية وصولاً إلى الكورنيش البحري. المفرق الذي يقود السيارات إلى ساحة النجمة موجود، لكن على البلدية وضع إشارات تبلغ الزائر بضرورة التوجه إلى الساحة"، يشرح شوقي. وبهدف التكامل، يشمل الاقتراح وضع مكتب معلومات وقطع بطاقات على الساحة "يقدم خريطة للزائر مخبراً إياه عن المعالم التي عليه زيارتها مع خريطة تخبره كيفية التوجه وبطاقة زيارة شاملة لكل المعالم. ما يجبر الزائر على زيارتها جميعها. وهو ما يشجع السياحة في صيدا ويخفف التلوث السمعي والبيئي فيها".
تسليط الضوء على مداخل السوق
أما الأسواق القديمة، فيصفها الراسي بـ"الفعالة"، لكن مداخل الأسواق غير واضحة للعيان بسبب غياب الأضواء واللافتات التي تحددها. فـ"من يتمشى على الكورنيش لا يعرف من أين يمكنه دخول السوق"، يقول الراسي. لذلك، اقترحت المجموعة تحديد مناطق مرور المشاة في نقاط مقابلة لمداخل السوق. "ما يجعل السوق ظاهراً بصرياً لرواد الكورنيش والكورنيش متاحاً لزوار السوق". بالإضافة إلى ضرورة وضع لافتات وإشارات كبيرة وواضحة على أبواب السوق.
تحسين مظهر المقاهي
في حين تلعب المقاهي الموجودة على الرصيف المقابل للقلعة البحرية، أو ما يسمى بمقاهي "أبو العبد"، دوراً كبيراً في تعزيز الحركة في المنطقة وتنشيط الاقتصاد المحلي، تغيب ممرات المشاة الآمنة إليها من الجهة الأخرى، كما يشوهها التلوث السمعي والبيئي والبصري بسبب كثرة السيارات وتحويل الكورنيش إلى موقف. ما يمنع رؤية البحر والقلعة. لذلك، فإن الحد من ركن السيارات في المنطقة وتطوير بيئة هذه المقاهي من خلال التصميم الذي اقترحته المجموعة للخيم، التي تضمن دخول ضوء الشمس والهواء المقاهي، سيجعلها مكاناً أفضل لاستقبال الرواد ويحسن شكل المدخل الجنوبي للمدينة.
إزالة التعديات
يشوه عرض الصيادين أسماكهم المنطقة بصرياً ويبعث فيها رائحة كريهة. "هؤلاء تمنعهم نقابة الصيادين من عرض أسماكهم داخل سوق السمك، لأن بضاعتهم مستوردة"، يقول شوقي. فاقترحت المجموعة تخصيص مكان لهم على الرصيف السفلي المقابل للمرفأ القديم مزود بمواسير مياه لغسل السمك وتنظيفه قبل بيعه إلى الزبائن.
جسر مشاة يخفف من خطورة الاوتوستراد
أما قصر فخرالدين الواقع في منطقة رجال الأربعين فمعزول عن الخط البحري والسياحي، بسبب فصل أوتوستراد عريض وسريع جداً القصر عن الخط البحري. "يعرض هذا الأوتوستراد حياة الطلاب القادمين بباصات خاصة إلى المدرسة للخطر بسبب ركن الباصات على الطرف الآخر من الأوتوستراد. ما يجبر الطلاب على قطع 6 مسارات سريعة للسيارات"، وفق شوقي. لذلك، اقترحت المجموعة وضع جسر مشاة يوصل الطلاب إلى المدرسة من جهة، وإلى حديقة الشيخ زايد من جهة أخرى وإلى التلة التي يقع عليها قصر فخرالدين من جهة أخرى.
تنشيط دور حديقة الشيخ زايد
اقترحت المجموعة إجراء اتفاقية بين المدرسة وإدارة الحديقة لدخول الطلاب الحديقة والاستفادة منها خلال أيام الأسبوع حين تكون مغلقة. واقترحت تعزيز دور الحديقة من خلال زيادة مداخلها. بالإضافة إلى تنسيط حركة تجارية بسيطة لبيع البوظة والعصائر خلف الحديقة لتشجيع ارتيادها.
تخفيف حدة العوارض الجانبية للمرفأ الجديد
أما المرفأ الجديد، فقبل افتتاحه، على البلدية أن تأخذ بالاعتبار أمرين مهمين، هما: التلوث الناجم عن حركة المرفأ. فـ"الهواء في صيدا جنوبي غربي. بالتالي، فتلوث الهواء والروائح ستتوجه إلى المدينة"، يقول شوقي. والحل الذي اقترحته المجموعة هو زراعة أشجار كثيفة في محيط المرفأ الجديد وعلى الرصيف الفاصل بين جهتي الأوتوستراد وعلى التلة التي يقع عليها قصر فخرالدين، كي تنقي الهواء وتنظفه قبل وصوله إلى المدينة. "على البلدية أن تبدأ ذلك قبل افتتاح المرفأ لتجنيب المدينة تلوثاً مستقبلياً". أما حركة الشاحنات المارة في صيدا، بعد افتتاح المرفأ، فـ"ينبغي تنظيمها وإبعادها عن منطقة المشاة أي الأوتستراد البحري وتوجيهها إلى الاتوستراد الشرقي مع ضبط ساعات تنقلها بين 12 ليلاً و6 صباحاً".
تخيل المدينة بالطريقة التي تصفها الدراسة يبدو ناجحاً وجميلاً، لكنه يحتاج إلى مقاربة شاملة واستراتيجية عوضاً عن الحلول المنفردة. فالتوصيات التي أتت بها الدراسة هي "أقل الواجب" بالنسبة إلى واجبات البلدية التي تدير مدينة بهذا القدر من الغنى بالموارد السياحية، فهل ستأخذ البلدية توصيات الدراسة غير المكلفة على محمل الجد بعدما قدمها لها الطلاب الأسبوع الماضي؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها