للسنة السادسة على التوالي، وعلى مدى عشرة أسابيع، نعيد الطقوس نفسها. فللحلقة قدسية نريد الاستمتاع بها، فلا نترك أي تفصيل يعكر علينا لحظة من 53 دقيقة التي ننتظرها من أسبوع إلى آخر. السنة الماضية، أنشئت مجموعة على "فايسبوك" لمحبي المسلسل في لبنان. وتجاوز عدد أعضائها 2400 شخص. طقوسنا تبدأ من هناك. في تمام الساعة 11 من مساء يوم الأحد، يغلق مسؤولو الصفحة إمكانية النشر والتعليق، إذ تنص القواعد، التي يجب أن يقرأها ويلتزم بها كل عضو جديد، على الامتناع عن كتابة أي شيء يتعلق بالحلقة الجديدة بعد عرضها بنحو 12 ساعة، كي نعطي فرصة مشاهدتها لأكبر عدد ممكن.
بالنسبة إلي، لا يجوز أن أشاهدها إلا بجودة عالية، من دون أي صوت أو عامل يؤثر على استمتاعي بها. أشاهدها ورفقاي على شاشة كبيرة، أو بالتزامن مع أخي في المنزل. وطبعاً، نأبى إلا أن نستمع إلى موسيقى البداية التي تأخذنا إلى ويستيروس (المكان الذي تجري فيه معظم الأحداث). نشاهد الحلقة وننفعل وننصدم ونفرح، ثم نبدأ باستيعاب ما حصل. وبعدها يمكن تصفح "فايسبوك" بأمان، وتمضية الأسبوع بقراءة المقالات، ومشاهدة مقاطع صورها آخرون عن انفعالاتهم وردود أفعالهم.
ككل سنة، تفيض بين شهري نيسان وحزيران وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث بأخبار ومقالات وتوقعات ونظريات لا تنتهي عن المسلسل الذي بات غنياً عن التعريف حتى لمن لم يشاهده. أحياناً، تذهب التوقعات بعيداً، إلى درجة تكون أكثر إبداعاً مما حدث في المسلسل فعلاً. إلا أن هذه السنة لا تشبه السنوات الماضية، بل اختلفت عنها في كثير من العناصر، على صعيد الكتابة والإنتاج والقصة والتفاعل، حتى الإعلانات التي استفادت من أحداث في المسلسل. كنا نلحظ في كل أسبوع، سيطرة وسم المسلسل على "تويتر" ليومين على الأقل، قبل عرض الحلقة وبعده.
في مجموعة "فايسبوك"، في الغالب، لا نعرف بعضنا، لكن يكفينا أننا نتفق على شيء كهذا. فتجربة المشاهدة هذه السنة لم تكن مثل السنوات السابقة بسبب هذه المجموعة، التي ولدت روح ألفة افتراضية جميلة جداً بيننا. نشعر بالقلق والتوتر ذاته. نناقش النظريات ونحلل الحلقات. نشجع عائلاتنا المفضلة. نطرح أسئلة. نروي أي قصة أو حادثة لها علاقة بالموضوع. نساعد بعضنا في إيجاد روابط للتأكد من أن الجميع شاهدها. ننتظر الساعة 11 ليلاً من كل يوم إثنين كي نفجر ما كبتناه منذ الصباح. أذكر التوتر الذي كنا فيه، خصوصاً في ليلة عرض الحلقة التاسعة، التي كنا نعرف جميعنا أهميتها وننتظرها منذ وقت بعيد.
لم يخيب هذا الموسم آمالنا على صعيد الثأر والانتقام ممن نكره، خصوصاً في الحلقة التاسعة، مع ذلك دار نقاش حول إذا ما كان المسلسل قد فقد ميزته الأساسية، وبات ينساق إلى رغباتنا، إذ تمكنا من توقع حصول أحداث عديدة هذه المرة. فميزته في المواسم السابقة، كانت حبكته القوية غير المتوقعة. ما أدى إلى اختلاف الآراء حول إذا ما بات المسلسل يأخذ نزعة هوليودية، مصبوغة بكثير من الأموال والكليشيهات الدعائية، أم أنه مجرد إرضاء للرأي العام، في سبيل توسيع شبكة المتابعين.
لكنني أعتقد أنه لم يعد مهماً، ربما، في هذه المرحلة من المسلسل صدمنا وجعلنا ننعى الشخصيات الأساسية فيه. إنما الأهم بعدما بات أمامنا 13 حلقة جديدة، هو كيف ستجري الأحداث، وكيف يُبنى سياقها نحو الحل. فنحن لم نعد بحاجة إلى صدمة كي نتعلق به، ومن البديهي أن نتمكن من توقع الأحداث بعد ست سنوات من القراءة والتحليل المستمرين. لكن المفارقة، في هذا الموسم، خصوصاً في الحلقة الأخيرة، بروز قوة العنصر النسائي، كما لو أن السلطة باتت اليوم في يد النساء. ونحن في حلقات الموسم المقبل، ننتظر معركة الملكات الخمس لنرى إن ستكون على غرار معركة الملوك السابقة.
عشرة أشهر تفصلنا عن استحقاقنا الجديد الذي نأمل أن يكون على قدر آمالنا وصبرنا. إلى ذلك الحين، ربما نتمكن من تعلم اللغة الفاليرية التي صنعت خصيصاً لـ"Game of Thrones".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها