يترنح "المستقبل" على أجنحة الطموح الفردي الذي يضعضع تماسك قيادات التيار. الكتلة أصبحت كتلاً وتكتلات، والتيار تيارات، وكلّ يغنّي على ليلاه، من دون ضابط إيقاع، في ظل غياب الرئيس سعد الحريري. حتى المعزوفة السياسية التي عوّد "المستقبل" عليها جمهوره منذ العام 2005 إلى اليوم مروراً بكل المطبات والإنزلاقات ما عادت كما كانت، إذ لكلّ مقطوعته الخاصة، واحدة نخبوية فوقية، وثانية شعبوية فجّة، وأخرى ما بين المنزلتين تحاول إمساك العصا من الوسط.
لم يستر الحراك المستمر للبعض أياً من العيوب، بل على العكس طفت الخلافات والإختلافات على الساحة، وتحولت إلى سجالات بين محسوبين على كل طرف داخل التيار الواحد. ينطوي ذلك على غياب رؤية موحدة محلياً وإقليمياً، أساسه غياب رأس الهرم، أي الحريري، الذي استدعى مسؤولي تياره إلى إجتماع في الرياض سيعقد خلال الأيام المقبلة.
غالباً ما تكون إجتماعات قيادات تيار "المستقبل" في الرياض دورية. في ظل غياب الحريري عن لبنان، يجتمع قادة "المستقبل" للتبحاث في شؤون التيار الداخلية والأوضاع السياسية المحلية، لكن هذه الدعوة الجديدة والتي كانت مقررة سابقاً، غيّرت وجهة المواضيع التي ستكون قيد البحث خلال اللقاء، بعد بروز تطورات وإنشطارات أصابت التيار ووضعته في مأزق مع قاعدته الشعبية.
وفق معلومات "المدن" فإن الإجتماع كان محدداً قبل حوالى الشهر، وكان مخصصاً لبحث شؤون طرابلسية وشمالية، لكن قضية تعذيب الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية من قبل عناصر في فرع "المعلومات"، وتداعياتها وطريقة تعاطي قيادات "المستقبل" معها غيّرت الوجهة، وفرضت نفسها على جدول اللقاء، بالإضافة إلى موضوع آخر ذي طابع إستراتيجي.
يشير أحد قياديي "المستقبل" من الذين سيحضرون اللقاء لـ"المدن" إلى أن "عنوان الإجتماع الأساسي سيكون التعاطي الخاطئ مع موضوع تعذيب السجناء، والتخبط الذي أصيب به التيار"، معتبراً أنه "ليس المهم في كل ذلك من سرّب بل كان يجب تسريب ما جرى منذ فترة، لاتخاذ الإجراءات المناسبة، ومحاسبة كل المسؤولين، لأنه من غير المقبول القبول بهذه الفضيحة، وبإهانة الناس". ويقول إن "رأي الرئيس الحريري سيكون حازماً في هذا الموضوع، لجهة احترام الموقوفين، بمعزل عن السجال حول من سرّب ولماذا، وهذا ما أضرّ التيار، وتسبب بشرخ كبير بينه وبين جمهوره".
ولا يخفي المصدر المطلع أن كل هذا الترهل هو بسبب غياب القيادة، أي غياب الرأس الذي من شأنه ضبط كل الأمور، وتصويب سياسة التيار، ما سمح لبعض الطامحين فيه إلى الإشتباك في ما بينهم، وتسجيل النقاط على بعض بغية تحقيق مصالح شخصية وطموحات سياسية، وهذا ما اتاح المجال أمام كل صاحب رأي انتهاج المنحى الذي يريده، ما أسهم في بروز إشتباك داخل البيت الواحد.
لا يقتصر التباعد في وجهات النظر بين قيادات "المستقبل"، وفق ما تشير المصادر، على موضوع سجن رومية، بل الأمر أصبح أشمل، وواضحاً للجميع، وفي وقت كانت هذه الإجتماعات تعقد لمناقشة أمور محلية بحتة، يبرز اليوم موضوع آخر على طاولة البحث، وهو أيضاً ما يحتاج إلى إعادة تصويب، وتوحيد الرؤية من قبل الحريري ويتعلق بالتوجهات الإقليمية وبما يجري في الجوار القريب.
وفق معلومات "المدن" فإن الهم الأساس لدى الحريري الآن، هو إعادة توحيد الرؤية داخل تياره حول ما يجري في المنطقة وخصوصاً في سوريا، بعد تنامي الحديث عن أن هناك من يحاول نسج علاقات أو اتخاذ مواقف متمايزة عن التوجه العام، وبمعنى أوضح، لإعادة تصويب الأهداف بأن موقف المستقبل هو نفسه موقف القيادة السعودية والذي لا يحتمل أي لبس في موضوع سوريا وإسقاط النظام والذهاب نحو مرحلة إنتقالية من دون بشار الأسد، ويأتي هذا الكلام، بعد الحديث عن أن بعض قيادات "المستقبل" اعتبرت في مكان ما أنه لا يمكن الإنتقال إلى مرحلة إنتقالية من دون الأسد، بل يجب أن يكون موجوداً لفترة معينة، ما أثار عاصفة داخل كتلة "المستقبل"، وهو ما يقتضي التصويب من قبل الحريري.
لا يحتاج "المستقبل" لمن يستهدفه، يستهدف نفسه من الداخل، غياب الرؤية الموحدة، وغياب الرأس، بالإضافة إلى غياب المشروع، يتيح مجال اللعب للجميع، واللعب اليوم ليس كما كان في السابق مرحلة من "الدلع"، إنه على حافة الهاوية، وقاعها ليس بعيداً عن ما وصلت إليه السياسة، إجتماع واحد لا يكفي، واللقاءات الدورية لا تفي بالغرض، هناك شيء ما ينهار، ولا يتم تدعيمه بالرقص فوق سطحه. الترميم هو سبيل البقاء.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها