إنّه الهجوم السّابع على الضاحية الجنوبية منذ بداية المواجهات المُسلّحة في الثامن من تشرين الأوّل،. وهي السّلسة الأعنف والأقسى من الغارات الإسرائيليّة على الضاحيّة منذ حرب تموز العام 2006، وهي التصعيد المقصود الذي سعت به إسرائيل لجرّ المنطقة بأسرها إلى الحرب.
وحتّى لحظة كتابة هذا التقرير، تستمر أعمال رفع الأنقاض، بعد سلسلة الغارات العنيفة على الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت. وفي الوقت الذي يستبد به الترقب في الأوساط اللّبنانيّة والإسرائيليّة (فضلًا عن الدوليّة)، لمعرفة مصير أمين عام حزب الله حسن نصرالله، في ظلّ ما أُشيع وتمّ تقديره إسرائيليًّا بـ "نجاح عملية الاغتيال"، لا تزال الضبابيّة السّياسيّة وحالة الهلع الشعبيّ على حالها. بينما تنصب التقديرات الإسرائيليّة حاليًّا لاعتبار أن شكل الحرب قد تغيّر الآن. ذلك وسط مخاوف من الإطاحة بكل المساعي الدوليّة للتهدئة وخفض التصعيد، وانزلاق المنطقة برّمتها إلى حربٍ شاملة قد تنخرط بها إيران في حال نجاح عملية الاغيتال.
سلسلة الغارات الأعنف
عند نحو السّاعة السّادسة والعشرين دقيقة، من مساء اليوم الجمعة 27 من أيلول الجاري، هُزّت العاصمة بيروت بدويّ سلسلة الغارات (10 غارات) الّتي طالت منطقة حارة حريك في الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، مثيرةً حالة من الرعب والهلع لدى السكّان – أو من تبقى منهم – في الضاحيّة الجنوبيّة، الذين سُرعان ما خرجوا منها بُعيد الغارات. وشوهدت أعمدة دخان تتصاعد من مواقع عدّة في الضاحيّة.
وأعلن الجيش الإسرائيليّ، أنّه قصف ما وصفه بـ "المقرّ المركزيّ لحزب الله في قلب الضاحيّة الجنوبيّة ببيروت"، وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيليّ أن طائرات "إف-35" نفذت الغارات بواسطة قنابل خارقة للحصون ثقيلة جدًا تزن نحو 2000 رطل (907 كيلوغرامًا) وتنفجر تحت الأرض، في هجوم هو الأعنف منذ الحرب التي خاضها الطرفان صيف 2006. وبحسب مصدر مقرّب من الحزب، استهدفت الغارات أبنية تقع ضمن منطقةٍ سكنيّة تضمّ مؤسسات ومقرّات ومكاتب تابعة للحزب ونوابه.
وفي الحصيلة الأوليّة، صدر عن مركز عمليات طوارئ الصحّة العامّة التابع لوزارة الصحّة بيان أعلن فيه أن غارات العدو الإسرائيليّ المتتالية على حارة حريك في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، أدت إلى استشهاد شخصين وإصابة ستة وسبعين بجروح، ومن بين الإصابات إحدى وستون إصابة طفيفة وخمسة عشر استدعت دخول المستشفى. وأشارت التقديرات الأوليّة أن هناك مبانٍ أربعة سُويت بالأرض. في حين ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة إلى أنّ "المؤسسة الأمنيّة تُقدّر أن نحو 300 شخص قتلوا في الهجوم الذي وقع في بيروت".
وأوردت القناة الـ 12 الإسرائيلية أنّه تمّ التخطيط لاستهداف نصر الله منذ مدّة طويلة واليوم وصلت "المعلومة الذهبيّة" وتمّ استهداف المقر. وأشارت إذاعة الجيش إلى أن تقديرات الاستخبارات الإسرائيليّة لا تستبعد أن تسفر الغارات عن مقتل عدد من كبار قادة فيلق القدس الإيرانيّ.
هذا ونقلت هيئة البث الإسرائيليّة عن مصادر أنّه ليس مؤكدًا حتّى الآن ما إذا كان حسن نصرالله داخل مقرّ القيادة المركزيّ عند القصف. وتحدثت وسائل إعلام إسرائيليّة منها "يديعوت أحرونوت" والقناة الـ 12 أن الهدف من الغارة كان حسن نصر الله، وأن الجيش يحقق حاليًّا فيما إذا كان الأخير داخل المكان المستهدف بالغارة أم لا.
ونقلت القناة الـ 12 عن مسؤول إسرائيليّ كبير تأكيده أن المؤشرات "إيجابيّة بأنّ عملية تصفية نصر الله نجحت". بدوره، نقل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيليّ رفيع أن هناك مؤشرات على أن نصر الله كان في موقع الهجوم، وأن فرص خروجه حيًّا ضئيلة.
في المقابل نقلت وكالة تسنيم الإيرانيّة عن مصادر أمنية بأن حسن نصر الله وهاشم صفي الدين (رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله) في مكان آمن وما تتداوله وسائل الإعلام الإسرائيليّة غير صحيح.
وأحجم متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية عن التعليق عما إذا كانت العملية استهدفت بالفعل نصرالله، ورفض البنتاغون التكهن حول ما إذا كان نصرالله لا يزال على قيد الحياة.
في وقتٍ يلتزم فيه حزب الله الصمت التام حتى الآن بخصوص الغارة الإسرائيليّة.
البنتاغون ينفي
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) اليوم إن الولايات المتحدة لم تتلق إشعارًا مسبقًا بشأن ضربة إسرائيليّة في بيروت، وإن وزير الدفاع الأميركيّ لويد أوستن تحدث مع نظيره الإسرائيليّ بينما كانت العملية جارية. وقالت سابرينا سينغ المتحدثة باسم البنتاغون إن الولايات المتحدة غير ضالعة في هذه العملية، كما امتنعت عن ذكر ما قاله وزير الدفاع الإسرائيليّ يوآف غالانت لأوستن عن العملية. لكن هيئة البث الإسرائيليّة نقلت عن مسؤول كبير أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة الأميركية بعملية قصف الضاحية.
المواقف الرسميّة
واعتبر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أن العدوان الجديد على الضاحية يثبت تجاهل إسرائيل لنداءات وقف إطلاق النار. وشدد ميقاتي على أن المجتمع الدولي بات مُطالبًا، في ظل ذلك، بوقف حرب الإبادة الإسرائيلية على لبنان. كما وصدر عن المكتب الإعلاميّ لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الآتي: "في ضوء المستجدات الحاصلة في لبنان بعد العدوان الإسرائيليّ على الضاحية الجنوبية لبيروت، قرّر دولة الرئيس إنهاء الاجتماعات الّتي يعقدها في نيويورك خلال أعمال الجمعية العموميّة للأمم المتحدة والعودة الى بيروت. كما قرر دولته إبقاء اجتماعات الحكومة مفتوحة على أن يعقد مجلس الوزراء اجتماعًا طارئًا فور عودته".
فيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيليّة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو غادر بشكلٍ عاجل لقاء مع الصحافيين بنيويورك على خلفية الأحداث في الضاحية الجنوبية. ونقلت القناة الـ 12 الإسرائيليّة عن نتنياهو قوله ردًّا على سؤال عما إذا كانت عملية اغتيال، حسن نصر الله نجحت: انتظروا. وقال مكتب نتنياهو، في بيان، إنه سيقطع زيارته إلى نيويورك ويعود إلى إسرائيل اليوم الجمعة، وذلك في أعقاب الضربة الإسرائيليّة على العاصمة اللبنانية بيروت.
وقال علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى الإيرانيّ يوم الجمعة إن إسرائيل تتخطى الخطوط الحمراء لطهران وإن الوضع أصبح خطيرًا. وأضاف لاريجاني للتلفزيون الرسمي الإيراني "الاغتيالات لن تحل مشكلة إسرائيل… فمع اغتيال قادة المقاومة سيحل آخرون محلهم".
من جهتها، قالت الأمم المتحدة الجمعة إنها تتابع بقلق كبير الضربات الإسرائيليّة على منطقة "مكتظة بالسكان" في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت. وصرّح المتحدث باسم المنظمة ستيفان دوجاريك في إفادة صحفية بأن "الأمم المتحدة تتابع بقلق شديد" الضربات على بيروت. وتابع "أي شخص ينظر إلى صور الدخان المتصاعد من منطقة مكتظة بالسكان يجب أن يشعر بالفزع"، مضيفًا "نحاول جمع المزيد من المعلومات بينما نتحدث".
مطالبة بالإخلاء
وفي تغريدة عبر حسابه على "اكس"، وجّه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، تحذيرًا لسكان الضاحية الجنوبية في بيروت، طالبهم فيه بإخلاء عدد من المباني فورًا. وشمل التحذير سكان حي الليلكي، مبنى منير شديد والمباني المجاورة، وحي الحدث، مبنى شيت وكومبلس السلام، بناءً على ما تمّ عرضه في خريطة مرفقة بالتغريدة. وأشار أدرعي إلى أن تلك "المناطق تقع بالقرب من مصالح تابعة لحزب الله، وأنه يجب على السكان الابتعاد لمسافة لا تقل عن 500 متر من أجل الحفاظ على سلامتهم وسلامة أحبائهم".
والمنشور أدّى إلى حالةٍ غير مسبوقة من الذعر في صفوف السكّان الذين سرعان ما اندفعوا إلى الشوارع هربًا من الرقعة الجغرافيّة المُحددة في خريطة أدرعي وشهدت المنطقة زحمة سير خانقة.
الإسرائيليون إلى الملاجئ
في المقابل، أعلنت السّلطات الإسرائيليّة عن فتح الملاجئ للسكّان، كما طُلب من سكان الشمال بضرورة الالتزام بتعليمات الجبهة الداخلية والبقاء بقرب الملاجئ تأهبًا لأي رّد من حزب الله أو إيران خاصة بوجود تقارير تحدثت عن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله برفقة قائد فيلق القدس الإيراني. الجيش الإسرائيلي أعلن كذلك تنفيذ سلسلة غارات جوية على عدة مواقع ضد ما قال إنها منصات إطلاق صواريخ.
هذا واستشهد وجرح عدد من المواطنين في غارة نفذها الطيران الحربي الإسرائيليّ على بلدة بعذران في قضاء الشوف شرق بيروت بحسب بيانات وزارة الصحة اللبنانية. وأكدّ مصدر أمني لبناني في بيروت أن الغارة أسفرت عن تدمير منزلين وتسويتهما بالأرض، وذلك بالقرب من مدرسة بعذران الرسمية، ما أدى إلى استشهاد وجرح عدد من سكان المنزلين.
مطار بيروت
ليلاً، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيليّ دانيال هاغاري: "لن نضرب مطار بيروت لأنه مطار مدنيّ… سنوجه ضربات لمبان استراتيجية للحزب الآن، ولا تغيير في توجيهات الجبهة الداخلية". وأضاف: "لن نسمح باستخدام مطار مدني في لبنان لأغراض عسكرية، ولن نسمح بنقل الأسلحة من خلال مطار بيروت المدني". وأردف: سنضرب خلال الساعات القادمة مبانٍ في بيروت يخزن فيها حزب الله أسلحة، وبعد قليل سنهاجم في بيروت وقد تحدث انفجارات قوية بسبب الأسلحة المخزنة".
وفي السياق ذكر الجيش الإسرائيلي أنه يدرس "نتائج الضربة على الضاحية الجنوبية"، مؤكداً "إننا نعلم أن الضربة على الضاحية الجنوبية لبيروت كانت "دقيقة للغاية".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها