حسنا فعل امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، بالاعتراف بواقعية وعلنية، ومن دون محاولات تخفيف او تمويه او تضليل امام جمهوره والراي العام. بانه تلقى وحزب الله، ضربة غير مسبوقة ليس في لبنان فقط، بل غير مسبوقة في العالم.
وهو قال في ذلك : "لا شك أننا تعرضنا لضربة كبيرة أمنيًا وإنسانيًا وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان، بالحد الأدنى، غير مسبوقة في تاريخ لبنان، هذا المستوى من العدوان وقد يكون غير مسبوق في تاريخ الصراع مع العدوّ "الإسرائيلي" على مستوى كلّ المنطقة، وقد يكون غير مسبوق في العالم".
نصرالله في هذا الاعتراف الصريح، وفر على نفسه وعلى البيئة المحيطة، مثالب الديماغوجية والتضليل والمكابرة المعتمدة لدى اطراف كثيرة في مثل هذه المواقف والمفترقات.
في المحصلة، يعتبر هذا الاعتراف دليل شجاعة. فقد سبق له ان قال بعد حرب تموز 2006 من دون تردد، انه لو كنت اعلم بالنتائج التي ستسفر عن اختطاف الجنديين الإسرائيليين يومها لما قمت بعملية الخطف.
وقد تكون احدى ميزات حزب الله، والتي ساعدت في تقدم عمله وخطواته. انه قادر على التعلم بسرعة، اكثر من غيره من الأطراف، وانتقاد نفسه، وتصحيح خطواته وتوجهاته.
في المحصلة، ما من شك ان حزب الله قد ارتكب في المدة الاخيرة، عدة اخطاء استرايجية متوالية وخصوصا في هذه المعركة ما بعد طوفان الاقصى.
الخطأ الأول، انه انخرط في هذه المعركة منذ اليوم الثاني لطوفان الأقصى من دون مبررات سياسية ووطنية كافية، تبرر له وتحميه، امام جمهوره والراي العام، في هذا الانخراط المخاطرة غير المحسوبة.
فمن ناحية المصلحة الوطنية اللبنانية المحصورة، لا علاقة للبنان بغزة وحرب غزة وطوفان الأقصى. فهي تقع في بلد ثان مجاور وشقيق، كما ان من قررها هو احد الأطراف الفلسطينية التي تجمعه بلبنان رابطة القومية والاخوة العربية والجيرة، وليس أي اتفاق قانوني او مصلحة انية او أي اتفاق او معاهدة، ناهيك ان لبنان دفع وبسبب القضية الفلسطينية والتزامه وشعبه بها اثمانا باهظة سابقا.
كل ما في الامر، ان حزب الله قد قرر الاشتراك في حرب المشاغلة والمساندة، من دون رغبة او موافقة الشعب اللبناني او السلطات الللبنانية المسؤولة عن هذا الشعب.
حزب الله قال اكثر من مرة، انه يشارك لقطع الطريق على إسرائيل لكي لا تستفرد بلبنان، ولاعلان الجهوزية العملانية والعسكرية حتى لا يؤخذ لبنان على حين غرة ولمساندة حماس في معركة غزة.
لكن في المحصلة والعمق والواقع، فان مشاركة حزب الله في المعركة كانت من اجل تلبية طلب ايران التي تدير وتخطط وتروج لنظرية وحدة الساحات التي صاغتها وتحركها، لامتلاك نفوذ واوراق تفاوضية مع الولايات المتحدة الامريكية والمجموعة الغربية.
ايران ببساطة، تستخدم اذرعها في المنطقة بما فيها حزب الله وباقي الاذرع من الحوثيين في اليمن الى الحشد الشعبي، ومن لف لفه في العراق. من اجل التفاوض والضغط على الولايات المتحدة والمجموعة الغربية. ومن اجل تحسين هذه الأوراق وفاعليتها، في الضغوط المتبادلة لرسم معادلة النفوذ والسيطرة والتقاسم في المنطقة.
ليس هناك أي مبرر او مسوغ شرعي او مصلحة وطنية لبنانية، في الانخراط بحرب غزة من قبل حزب الله، سوى النزول عند رغبة ومصالح وتوجيهات ايران، علما ان لبنان مثخن بالجراح والنكبات والازمات المعروفة ويكاد يلفظ انفاسه كوطن وبلد طبيعي.
في المعارك السابقة، التي خاضها حزب الله مع اسرائيل، كان المبرر الشرعي والسياسي مؤمن وبقوة خصوصا مع احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية. اما بعد تحرير هذه الأرض في العام 2000 وانسحاب إسرائيل منها، لم يعد هناك من مبرر لحمل واستخدام السلاح المقاوم ونظريات المقاومة المضخمة والمنفوخة والمفتعلة، سوى الاستمرار في إيجاد مبرر لحمل واستخدام السلاح والاستفادة منه ومن هذا الدور، وهذه الوسيلة للمساومة وزيادة النفوذ والاستثمار الداخلي والإقليمي.
الخطأ الاستراتيجي الثاني، الذي وقع فيه حزب الله، هو الهروب من الهاتف الخليوي الى أجهزة الاستدعاء او النداء أي ما يعرف او عرف باجهزة "البيجر".
أي انه هرب من القطاع السبراني، الذي تتفوق فيه إسرائيل على باقي دول العالم وهي التي تبيع وتسوق أجهزة التجسس، بما في ذلك لدول عربية كثيرة، الى القطاع الالكتروني الذي تتفوق فيه إسرائيل أيضا. والذي زاد في الطين بلة ان حزب الله وكما تشير معلومات متقاطعة، أوقع نفسه في شباك إسرائيل الاستخبارية شر وقعة.
فمن ناحية سلاح الإشارة، او شبكة الاتصالات الداخلية، التي أقامها حزب الله لنفسه، وبشكل مستقل، وكانت السبب في كسر إرادة وسلطة الحكومة اللبنانية. وتشويه صورته ودوره عبر اقتحام وغزو بيروت ومناطق الجبل بسببها في ايار 2008، قد سقطت بيد إسرائيل واخترقت بشكل واضح. بدليل الخروق الظاهرة في كشف تحرك قادة المقاومة، ونجاح إسرائيل في اغتيال اكثر من واحد منهم بطريقة فظة وعلنية ومدهشة.
اذا، حزب الله أصيب بأكثر من ضربة وسقطة وعاهة، في المدة الأخيرة . من كشف واختراق الهواتف الخلوية، الى الانتقال المريب الى استخدام أجهزة الاستدعاء اي البيجر.
كيف تم هذا الاختراق المذهل والغير مسبوق في العالم حسب تعبير السيد نصرالله؟
المعلومات التي نشرت في الصحافة الغربية والأمريكية تحديدا، الى ان يثبت العكس، تقول ان حزب الله اشترى صفقة اجهزته للنداء أي "البيجر" من شركات إسرائيلية وهمية أقامها جهاز الموساد في أوروبا واستدرج وسطاء من حزب الله، لكي يتعاقدوا مع هذه الشركات لتصنيع وشراء أجهزة البيجر. وقد قام الموساد من خلال المصانع التي أقامها بتصنيع اجهزة بيجر للحزب ووضع فيها متفجرات من نوعية خاصة وربما أجهزة تنصت وتعقب. وباعها للحزب الذي اشتراها، هو او غيره من الأطراف الموثوقة منه او المسيطرة عليه. وبالتالي وقع مع عناصره وكوادره، بين ايدي الموساد. وأصبحت الأجهزة المفخخة تحت امرة إسرائيل، التي كانت تريد تفجيرها في بداية هجوم شامل على لبنان كانت تنويه، لكن خلافا بين قادتها اجل استخدامه وتوقيته، الى ان لاحت امكانية الانفضاح والانكشاف، فضغطت إسرائيل على ازرار التفجير فكانت المجزرة، التي هدفت الى قتل نحو 5000 عنصر من حزب الله دفعة واحدة، وحدث بعدها ماحدث.
لم تكن هذه الجريمة المجزرة، التي ارتكبتها إسرائيل بتفخيخ أجهزة اتصال بمتفجرات هي الحادثة الأولى من نوعها التي تمارسها وتطبقها!
فقد سبق هذه العملية، عملية إسرائيلية أخرى استُخدمت فيها هذه التقنية، وسميت يومها بعملية "الكريستال"، حيث نجحت فيها إسرائيل في قتل قائد "كتائب عز الدين القسام" في حركة "حماس" يحيى عياش، الذي كان يلقب بـ"المهندس"، بعدما قضّ مضاجع القادة السياسيين والعسكريين والامنيين في الكيان "الإسرائيلي".
"الكريستال" او "البلوري" هو الاسم الحركي للضابط الإسرائيلي في جهاز الشين بيت، الذي كلف باغتيال المهندس عياش واعطي يومها صلاحيات استثنائية لكي يتمكن من النجاح في مهمته.
نجح جهاز الشين بيت الإسرائيلي يومها، في اغتيال المهندس عياش، بان اخترق محيطه العائلي بالتعاون مع عمه، الذي اهداه جهاز هاتف خليوي بنصيحة منهم، بعد ان زرعوا في الهاتف متفجرات كافية لتفجير راسه وأجهزة تنصت. وفي التوقيت المناسب، فيما كان المهندس يتحدث مع والده ويقول له "مشتاق لشوفك كتير يا با" ضُغط على الزر المناسب وانفجر الهاتف الهدية براس المهندس وقتل على الفور، فيما والده يصرخ على الجانب الثاني من الخط.. "الو الو فينك يحي يا ابني؟؟". لترتاح إسرائيل منه ومن خططه والرعب الذي كان يمثله لهم.
يقال ان الاختراق الذي تعرض له حزب الله، في صفقة أجهزة البيجر، يكمن في الحلقة التي تولت التفاوض مع المصنع الوهمي الاسرائيلي في أوروبا او في احدى نقاط التوريد.
السؤال اين تكمن حلقة الاختراق التي نجح فيها الموساد في إيقاع حزب الله واجهزته للنداء والاستدعاء في شباكه لصناعة وتكوين احدث خدعة أو "حصان طروادة" الكتروني استخباري في القرن الواحد والعشرين.
وهل هناك عم من اعمام حزب الله، قد تم اختراقه واستخدامه كما جرى مع عم يحي عياش، وكيف واين تم وجرى ذلك؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها