الأحد 2024/11/17

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

النوايا الإسرائيلية مكشوفة: بين أديب سعد وسعد حداد

الأحد 2024/11/17
النوايا الإسرائيلية مكشوفة: بين أديب سعد وسعد حداد
مع سعد حداد كرست إسرائيل سيطرتها الأمنية والعسكرية على جنوب لبنان (Getty)
increase حجم الخط decrease
غرق لبنان في تحليلات وتقديرات لمسودة الاتفاق التي أرسلتها الولايات المتحدة الأميركية للوصول إلى وقف لإطلاق النار. طغى التفاؤل على الكثيرين، فيما استقرّ آخرون على رأيهم المتشائم، بالنظر إلى المنهجية الإسرائيلية في محاولة إلهاء المفاوضين بالمسار الديبلوماسي لمواصلة عملياتها العسكرية المتصاعدة. يخوض لبنان المفاوضات بلا أي خطأ ديبلوماسي أو سياسي. فهو لا يرفض التفاوض، ولا يرفض أساسيات الاتفاق، لأنه يعلم أن إسرائيل تريد له أن يرفض ليتحمل مسؤولية استمرار الحرب. لكن عملياً النقاش في الاتفاق وأبعاده والمرامي الإسرائيلية من خلفه، يحتاج إلى التفكير به بعقل بارد. وهو ما يفعله اللبنانيون، وخصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه برّي وحزب الله، لأن أي نقطة أو كلمة يمكنها أن تغيّر مساراً بكامله. 

التعهد الأميركي
بداية، لا بد من الإشارة إلى أن مضمون المسوّدة التي تسلّمها برّي قبل أيام قليلة من السفيرة الأميركية ليزا جونسون، يتطابق تماماً مع مضمون الاتفاق الذي كان توصل إليه برّي مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين سابقاً. وما جرى هو نوع من إعادة الصياغة للأفكار والبنود. وهنا لا بد من التذكّر بأن إسرائيل هي التي رفضت هذا الاتفاق سابقاً. ولذا، لا بد من انتظار رفضها مجدداً. خصوصاً أنه مع بروز إيجابية سابقاً من قبل لبنان حول الوصول إلى الاتفاق، سرّب الإسرائيليون الاتفاق الجانبي الذي أبرم بينهم وبين الأميركيين، وينصّ على حرية الحركة العسكرية عندما تقتضي مصلحتهم. وكان التسريب بهدف التخريب. حالياً، تغيّرت اللجهة الأميركية مع لبنان. إذ نفى الأميركيون وجود أي اتفاق جانبي مع إسرائيل، فيما تقول مصادر ديبلوماسية متابعة إن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر قال للمسؤولين في الإدارة الأميركية وفي فريق ترامب، إن تل أبيب تقبل بتعهد أميركي شفهي بحق إسرائيل في التدخل العسكري عندما تقتضي مصلحتها، بدلاً من التعهد الخطّي والمكتوب. 
ما دفع إسرائيل لرفض الاتفاق سابقاً، يمكن أن يتكرر لرفضه مجدداً. خصوصاً أن أهداف حربها لم تتحقق، لا في إعادة سكان المستوطنات ولا في منع حزب الله من مواصلة تنفيذ العمليات التي تصيب العمق الإسرائيلي. كما أن تل أبيب تريد أن تستفيد من التعيينات التي يجريها دونالد ترامب في إدارته، لممارسة أقصى أنواع التصعيد العسكري لتحسين شروطها التي تريد فرضها على لبنان.

شهران من التصعيد
حزب الله أيضاً يتعاطى مع بنود الاتفاق بعقل بارد جداً، انسجاماً مع ما يقوله مسؤولون في الحزب إنهم لا يريدون استجداء وقف النار، وإن رهاناتهم لا تزال على الميدان، وأنهم يتمتعون بالقدرة على إلحاق خسائر كبيرة بإسرائيل، لدفعها إلى تخفيض سقف شروطها وطموحاتها. في تقديرات الحزب، فإن الإسرائيليين لا يريدون الاتفاق، والمسألة الوحيدة التي يمكن أن تجبرهم على الموافقة هي الخسائر التي سيتكبدونها في الميدان.
ما يقصده حزب الله بعدم استجداء أو استعجال الاتفاق، ينسجم مع قراءته للموقف الإسرائيلي. ولذا، يتوقع الحزب المزيد من التصعيد العسكري لفترة شهرين، سيركز فيهما على مواصلة عملياته وتكثيفها والصمود. كما لا يزال الحزب يؤكد أنه قادر على إلحاق خسائر كبيرة في صفوف الإسرائيليين، خصوصاً مع تعميق عملياتهم العسكرية، وأن القدرة على نصب كمائن وتنفيذ عمليات توقع قتلى بشكل يومي في صفوف الجنود، سيرفع الصرخات في الداخل الإسرائيلي للمطالبة بالانسحاب من المستنقع اللبناني.

إسرائيل واليونيفيل
على هذا الإيقاع سيحاول الحزب أن يفاوض، كما أنه يورد بعض الملاحظات على نص المقترح، خصوصاً ما يتعلق بمطالبة إسرائيل من القوات الدولية أو اليونيفيل التحرك باتجاه أي بلدة، أو موقع، أو منزل لتفتيشه. وهذا يعني أن اليونيفيل والجيش اللبناني سيصبحان عاملين لدى الإسرائليين، وتنفيذ ما تريده تل أبيب. وهو أمر مرفوض كلياً. صحيح أن للبنان الحق أيضاً في تقديم الشكاوى ضد أي محاولات إسرائيلية لاختراق الاتفاق، ولكن لا رهان على إيجاد آذان دولية صاغية للشكوى اللبنانية. خصوصاً أن إسرائيل لم تلتزم بتاريخها في أي اتفاق دولي أو أممي. وهي التي مزّق سفيرها ميثاق الأمم المتحدة. وهي تعبّر في أكثر من محطة ومناسبة عن رفضها لدور الأمم المتحدة أو قوات اليونيفيل، كما  رفضت سابقاً مع الأميركيين أن يكون ترسيم الحدود البحرية مع لبنان برعاية الأمم المتحدة، بل كان برعاية أميركية ودور أميركي كامل، فيما اكتفت الأمم المتحدة بالحضور والإطلاع. 
لإسرائيل تجارب كثيرة في عدم الالتزام بأي اتفاقات سياسية أو دولية، وللبنان تجارب تاريخية منذ صدور القرار 425، الذي لم تلتزم به إسرائيل، علماً أنه كان ناجماً عن صناعة وصياغة أميركية ولم يُطبّق إلا بعد 22 عاماً. وهو تحقق في مسارات متتالية للمقاومة الوطنية التي بدأت من بيروت، وحررتها، إلى الجنوب. وبعدها مقاومة حزب الله، والخسائر التي تكبدها الإسرائيليون.. ما دفع إلى تعالي الصرخات في الداخل الإسرائيلي للانسحاب من لبنان. 

تجربة سعد حداد
كذلك لا بد من التوقف أمام مواقف إسرائيلية أطلقت في الفترة السابقة، خصوصاً عندما يتحدث نتنياهو ووزراؤه عن تغيير الوقائع الأمنية والعسكرية والسياسية في لبنان. بلا شك أن الإسرائيليين يعنون ما يقولون، حتى بما يتعلق بآلية عمل الجيش اللبناني أو اليونيفيل أو لجنة مراقبة آلية تطبيق القرار 1701.
هنا لا بد من العودة بالذاكرة إلى سنة 1978، في السنة التي صدر فيها القرار 425 وينص على انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان ودخول الجيش اللبناني. فإسرائيل لم تلتزم بالانسحاب. أما بما يتعلق بدخول الجيش إلى الجنوب، فيوم الحادي والثلاثين من تموز عام 1978 تواصل السفير الأميركي في بيروت حينها مع الحكومة اللبنانية، وطلب منها إرسال الجيش إلى الجنوب، بعدما أبلغها أن واشنطن حصلت على موافقة من إسرائيل حول انتشار الجيش اللبناني. وقد عملت الحكومة على تشكيل فرقة عسكرية بقيادة المقدم أديب سعد للانتشار في الجنوب. ولدى وصول أول قافلة عسكرية إلى بلدة كوكبا تم قصفها من قبل الإسرائيليين. سارعت الحكومة إلى مراجعة الأميركيين حول ما جرى، فاحتج السفير الأميركي وقدّم استقالته، بينما جاء التبرير من واشنطن أنه حصل تواصل مع إسرائيل وهي جاهزة لتطبيق الاتفاق، ولكنها لم تكن جاهزة لدخول قوة من الجيش بقيادة أديب سعد، بل توافق على دخول فرقة من الجيش بقيادة سعد حداد، وبذلك كرست سيطرتها الأمنية والعسكرية على جنوب لبنان. وهو ما تحاول تكراره حالياً في قطاع غزة، وربما في لبنان. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها