الأحد 2024/10/06

آخر تحديث: 09:54 (بيروت)

حسابات الحرب الواقعية

الأحد 2024/10/06
حسابات الحرب الواقعية
الإنقاذ الوطني هو الشعار الواقعي الوحيد (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
بعد مرور سنة على الحرب في غزة، باتت واضحة جدّاً صورة الحرب في فلسطين، وفي لبنان. تغيّرت الوقائع، ولم تتغيّر الشعارات. في لبنان وفي فلسطين، تعلن المقاومتان الثبات على هدف النصر القريب، وفي إسرائيل يعلنون هدف تدمير المقاومتين، ويتدرّجون في تثبيت ركائز توسّع جغرافي جديد، وركائز هيمنة عسكرية وسياسية جديدة، تتجاوز فلسطين إلى جوارها وإلى ما يحيط بهذا الجوار.

من دون مكابرة، حرب إسناد غزّة التي أعلنتها المقاومة الإسلامية اللبنانية، فقدت قاعدتها المادية، بعد أن انتقلت غزّة من حالة استردادها بعد اتفاق أوسلو إلى حالة إعادة احتلالها بعد طوفان الأقصى.

ومن دون إنكار للواقع، باتت المقاومة الإسلامية اللبنانية في حاجة إلى من يؤازرها في الحرب التي تدور فوق أرضها، بعد أن انكشف المشهد الإقليمي، خصوصاً الإيراني منه، عن حدود قوته، وعن حدود ضعفه.

تواجه اللبنانيين حالياً معضلة تداعيات أخذهم إلى حرب الإسناد في غزّة، من دون موافقة الأكثرية الساحقة منهم. مواجهة نتائج المعركة التي يشنها العدو اليوم، باتت كرة نار متدحرجة، من المواجهة على خطوط التماس، إلى نقل النار إلى مختلف الأرجاء اللبنانية.

وقفة متأنّية وعاقلة، لمعاينة حسابات القوى تظهر أن الميزان القتالي مختلٌّ في صالح العدو، هذا إذا أخذ المتأنّي في الحساب مجموع العناصر التي يتشكل منها كل مثقال حربي، من سياسة ومن دعم ومن عناصر قوة ذاتية.

لا يحتاج الأمر إلى شرحٍ طويل للقول، إن المثقال الإسرائيلي ليس داخليّاً فحسب، بل هو "دولي" في الوقت ذاته. هذا يعني، أن التفوّق المعادي هو حاصل جمع القوة الدولية التي رسمت خطة الهيمنة العامة على المنطقة، والقوة الخاصة التي اندمجت في إطار الخطة العامة، وفي حسابها ما لها من "ربح" خاص من عائدات الهيمنة.

ليست هي الحال مع المقاومة الفلسطينية، ولا مع المقاومة اللبنانية، فالمقاومتان، ومع اختلاف أوضاعهما، لا مؤازر لهما سوى الوضع الذاتي، الذي ليس موضع إجماع داخلي لدى كل منهما، والوضع الخارجي الذي يختزله البعد الإيراني، بقدراته المحدودة، لجهة التدخل المباشر، أو لجهة القدرة على مواجهة "الإرادة الدولية".

سياسياً، وعلى صعيد تقدير الموقف "الاستراتيجي"، تجاوز الإسرائيلي عقيدته القتالية السريعة، وتجاوز "عقدته" المجتمعية لجهة حسابات الخسائر، وتجاوز أيضاً "قلقه" من ردّ فعل المجتمع الدولي حيال الحرب وما يترتب عليها من خسائر. هاهو العدو بعد سنة من القتال، يُصرّ على افتتاح حرب إضافية في لبنان، وها هو يدير "الأذن الصماء" لمطالبات معارضيه، وهاهو المجتمع الدولي، بقيادة الأميركيين، يجيز له كل أفعاله ما دام "يدافع عن نفسه"، وعن حقِّه في الوجود.

إذن، سقطت النظرية العربية القديمة، وسقطت معها تلقائياً فرضية المقاومة العسكرية عن إسرائيل. هذا يفرض وبالتداعي مراجعة من قبل كل الذين يطمحون إلى خوض حرب "تحرير فلسطين" من جديد، ومن قبل الذين يعتقدون أن الكيان الإسرائيلي غير ثابت الأركان.

على صعيد لبناني خاص، بات واضحاً أن شعار الإنقاذ الوطني هو الشعار الواقعي الوحيد الذي ينبغي التمسك به، والسعي من أجل جعله أمراً نافذاً في الديار اللبنانية. يعادل الإنقاذ، في هذا الوقت الحَرِج، معادلة تحديد الخسائر. وَقْفُ الخسارة عند حدّ معلوم الآن، هو ربح لبناني مستقبلي على كل صعيد.

في الواقع العملي، يدير اللبنانيون عملية الإنقاذ "تحت النار"، هذا يعني أن على السياسي اللبناني إدارة المعركة الإنقاذية بشقيها القتالي والسياسي، داخلياً وفي العلاقة مع المجتمع الدولي.

شأن الإدارة هذا لا تتولاّه إلاّ المرجعية اللبنانية الرسمية، ولا يقوم إلاّ على التفاف شعبي من قبل كل القوى السياسية اللبنانية، على اختلاف توجهاتها. لذلك، يجب أن يكون المدخل إلى الإنقاذ الإسراع في إعادة تشكيل المرجعية العامة التي يقودها رئيس جمهورية منتخب، وحكومة ميثاقية فاعلة، واجتماع شعبي مؤازر وضامن لتنفيذ ما يتخذه النسق الرسمي من قرارات.

على صعيد ملموس، يجب الانتباه إلى أن القتال الدائر مع العدو، يجب أن يكون دفاعيّاً وتأخيريّاً، فلا يسمح للعدو بتقدم سهل يستعين به على فرض شروطه على لبنان. الدفاعية المقاوِمَة ملزمة بإعادة النظر في إدارة معركتها، وفي هذا الشأن، ليس مجدياً، على سبيل المثال، القصف الصاروخي لمناطق بعيدة من التماس، ومن الحدود الخلفية المباشرة له. مهمة القصف تدعيم صمود الخطوط الأمامية في وجه القوى المهاجمة، وفي استهداف تعزيزاتها، ما سوى ذلك لا وظيفة له إن كان المقصود الضغط على السياسي الإسرائيلي بغضب مجتمعه. فهذا الأخير، وفي الحالة اللبنانية، مَحَضَ المستوى السياسي دعمه، بأغلبية شعبية كبيرة. المعادلة اللبنانية، التي يجب أن تكون في خدمة المستوى السياسي اللبناني، طابعها دفاعي، ومضمونها، إذا لم يكن الانتصار على العدو هدفاً واقعياً، فليكن الواقعي منع وصول الوضع اللبناني إلى الانكسار. هكذا يتحدد سقف المعركة الدفاعية اللبنانية بصمود أكثر، في سياق سياسة رسمية إنقاذية عامة، تثمّر هذا الصمود في إدارة العملية السياسية مع الخارج، المطالب بإسناد لبنان في مطلب وقف النار، وفي مطلب تنفيذ القرارات الدولية تنفيذاً كاملاً، وفي طليعة تلك القرارات ذاك الذي يحمل الرقم 1701، والذي يلقى إجماعاً لا يشذّ عنه اليوم غير الآلة الحربية الإسرائيلية.

إذا كان ثمة استطراد مفيد، فهو الاستطراد الذي يتناول بإيجاز موضوع إعلان العدو عن ضرورة مهاجمة لبنان، لإزالة الخطر المباشر على حدوده الشمالية. يعطي العدو لهجومه صفة العملية المحدودة، ليصرف النظر عن أهدافه البعيدة، وليظلّ على تناغم مع الراعي الأميركي الذي ما زال يتخذ صفة "الوسيط" عندما يتعلق الأمر بلبنان وبفلسطين، ويفصح بوضوح ساطع، عن صفة الداعم والراعي والمدافع... عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

تسليط الضوء على التضليل الإسرائيلي، وعلى النفاق الأميركي، هدفه دعم سياسة الذهاب إلى عملية الإنقاذ، وهدفه تقديم الدليل الإضافي على أن سياسة تحديد الخسائر هي السياسة الواقعية الآن. إن الكلفة الباهظة البشرية والعمرانية، التي دفعها اللبنانيون حتى اليوم، تشكل حافزاً أساسياً وجوهريّاً لمنع تفاقم هذه الكلفة، ولمنع العدو من تثميرها في إعادة احتلال أرض لبنانية، تمّ تحريرها في ظروف سياسية متشابكة، شكلت فرصة لانتزاع التحرير. لا ضرورة لشرح في هذا المجال، للمقارنة بين "زمن" أوصل إلى التحرير، وبين "زمن" مفتوح على تبديد كل إنجاز.

قد يكون الوقت داهماً. الوقت محايد. ترجيح كفّة الوقت الانحيازية يصنعها ذوو الحاجات. حاجة اللبنانيين شرط وجود للبنانهم، أي لبلدهم الذي يريدونه دائماً، وطن رسالة مهمة، على الرغم من صعوبة قراءة سطورها، هذا ناهيك عن صعوبة كتابة هذه السطور.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها