وحدّد حزب الله ثلاثة مواقع فقط في الضاحية الجنوبية، وسمحوا خلال الجولة بالتقاط الصور والمقاطع المصوّرة. شاركت "المدن" في الجولة، الّتي اُستهلت من المبنى الذي يضم قناة الصراط الثقافية، حيث سُجل يوم أمس أول اعتداء على مؤسسة إعلامية لبنانيّة، بحجة أن حزب الله يحتفظ بصواريخ تحت هذا المبنى. أما الموقع الثاني، فهو المبنى السكني الذي يحمل اسم "حطيط"، بالقرب من مجمع سيد الشهداء، حارة حريك، أما الثالث والأخير فكان المبنى السكنيّ في منطقة الشياح.
"دحض الرواية الكاذبة"
وعليه، فإن الهدف الأساسي لحزب الله من هذه الجولة هو "دحض رواية إسرائيل"، والتأكيد أن المباني المستهدفة هي مبانٍ سكنية فقط، ولا وجود لأي صواريخ لحزب الله تحت المباني. وألقى محمد عفيف، مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله، كلمة أمام قناة الصراط المدمرة، قائلًا: "أن الأبنية التي استهدفها العدو الإسرائيلي مدنية، وهدف إسرائيل التدمير وتغيير معالم الضاحية". وأضاف عفيف: "أن ادعاءات العدو الصهيوني حول وجود أسلحة أو مخازن أسلحة في هذا المبنى أو سواه ادعاءات كاذبة لا أساس لها..."، وأن "كل المباني المدنية التي تم قصفها في الضاحية هي مبانٍ مدنية بحتة، يسكنها مدنيون لبنانيون، ويمكنكم التأكد من ذلك بأنفسكم". وأضاف أن "استهداف قناة الصراط هو عدوان همجي بربري على قناة دينية متخصصة بالشأن الثقافي وليس لها علاقة بأي أنشطة عسكرية"، معتبرًا أن "الهدف من هذا التدمير الواسع النظاق في الضاحية هو التدمير نفسه والقتل والحقد والإجرام وتكرار ما حدث في غزة".
وقبيل موعد الجولة، تمّ وضع صور أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على المباني المُدمرة، ونُصبت أعلام الحزب فوق الردم، وعلى طول خط أوتوستراد هادي نصرالله، رُفعت صور شهداء حزب الله ومن ضمنهم أمينهم العام. وعُلقت على المباني المدمرة، لافتة كُتب عليها "لن تسقط لنا راية"، في إشارة لكون الإسرائيليّ حتّى ولو قصف هذه المباني فإن الحزب مستمر. وخلال الجولة، تسلّق أحد المواطنين المبنى المدمر في الموقع الأول، مردّدًا هتافات تضامنية مع الحزب من بينها "لبيك يا نصرالله".
"الهدوء الحذر"
ومع وصول الوسائل الإعلاميّة للموقع الأول، اغتنم بعض السكان فرصة "الهدوء المؤقت"، وصعدوا إلى شققهم السكنية لنقل ملابسهم وأغراضهم الشخصيّة. ووضعوا ثيابهم الصوفيّة بداخل الأكياس أو ما يُعرف بالـ"البقجة"، خوفًا من أن يدمر منزلهم، وحملوا بعض اللوازم الضروريّة للتخفيف من الأعباء الماليّة وتمهيدًا لفصل الشتاء، كالحرامات والوسائد وبعض الأدوات الكهربائية التي يسهل نقلها.
الضاحيّة الجنوبيّة
تبدّلت ملامح الضاحية الجنوبيّة. دمار هائل، بل مروّع. الدخان الأبيض يغطّي المنطقة بأكملها، حتى الأحياء التي لم تتعرض للقصف الإسرائيليّ. رائحة البارود والدم تنتشر في المنطقة بأكملها. رائحة كريهة، تستدعي ارتداء الأقنعة والكمامات. على طول الأتوستراد، المحال التجارية متضررة بشكل كبير، الزجاج يتراكم على الأرض، وعند استهداف أي مبنى سكنيّ، فإن عشرات المباني المُلاصقة له تتحول خلال ثوانٍ لمبانٍ غير صالحة للسكن. والغارة الواحدة تتمكن من تدمير 8 مبانٍ سكنية. تطاير الأثاث من الشقق السكنية. على الأرض، ألعاب مكسورة، أحذية مُتطايرة، دفاتر ممزقة، وفواتير رسمية. دمرّت الغارات الإسرائيلية الحجر والإسمنت، وطمرت ذكريات أصحاب هذه الشقق تحت الردم.
في الرويس، عشرات المباني المحروقة، والكثير من المباني المتشققة، المهددة بالسقوط في أي لحظة؛ أما المباني المُستهدفة بالغارات، فتحولت إلى رمادٍ مشتعل لم يُطفئ بعد.
الضاحية المُدمرة
تبدّلت ملامح الضاحية حتى بات صعبًا على ساكنيها التعرّف على أحيائها بسهولة، عشرات المباني اختفت عن الخريطة والطُرقات المؤدية إليها تدمرت. وللوصول إلى مجمع سيد الشهداء، تحتاج إلى اتخاذ الكثير من الطرقات الفرعية لتتمكن من الاقتراب، وفي منطقة الحدث، وتحديدًا حي الأميركان، فقد سُويت المباني بالأرض.
في منطقة الرويس، تخلعت أبواب المحال التجارية، وتهشم زجاجها. احترقت المقاهي، وتدمر فرشها بالكامل. وأصحاب متاجر الأدوات الكهربائية وضعوا الأقفال الحديدية على الأبواب المخلوعة خوفًا من تعرض محالهم للسرقة، وحفاظًا على ما تبقى من أرزاقهم. يحاول أصحابها تفريغها من البضائع، فيعبئون الأغراض داخل الصناديق الخشبية ويحملونها داخل سياراتهم. وأصحاب مكاتب تأجير السيارات، أخرجوا السيارات من الضاحية الجنوبية لعدم إلحاق الضرر بها.
يخيّم الهدوء على الضاحية الجنوبيّة، وكأنها تحولت إلى مدينة صامتة ومهجورة. باتت شبيهة بشقة سكنية، أجبر أصحابها على تركها فجأة والسفر بعيدًا لأسباب قاهرة، فأطفأوا الأنوار، وأقفلوا الأبواب وغادروا، من دون أن يحددوا أي موعد للرجوع. وفي السماء، وحدها طائرات الاستطلاع تغطي أسطح المباني وتكشف الطرقات. مراقبة مستمرة طوال ساعات النهار والليل أيضًا. أصواتها مسموعة بقوة، وفجأة، تحلق على علو منخفض، فيبدأ جميع الموجودين والمارين بتوجيه نظرهم للسماء، خوفًا من سقوط أي صاروخ مفاجئ.
كانت لحظات قاسية يختلط فيها الشخصي بالعام، فأدخل بيتي وقد بدا حزينا على هجره، وساد السّكون فيه حتى صار أزيز المُسيّرة أعلى من صوت الذكريات.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها