تقول الرواية إن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الإمام علي خامنئي، فاجأ الرئيس سعد الحريري لدى استقباله في تشرين الثاني/ نوفمبر 2010 مع وفد وزاري لبناني، بالقول: "يا دولة الرئيس، إن المقاومة في لبنان هي تماماً مثل أزميرلدا في رواية أحدب نوتردام، التي كان الجميع يريدها لجمالها، لكنها في المقابل كانت تحتفظ تحت ثيابها بخنجر بنصل حاد مقبضه مصنوع من المحار، كانت تستخدمه للدفاع عن نفسها ضد من يريد الاقتراب منها والتحرش بها وإذيتها أو السيطرة عليها، لأن الجميع كان يريدها لجمالها".
ومضى الإمام الخامنئي شارحاً نظريته للحريري والوفد الوزاري المرافق يومها: "لبنان عروس البحر المتوسط. كل الدول تريد هذه الجميلة... إسرئيل خطرها وتهديدها عليكم كبير.. وسلاح المقاومة في لبنان مثل خنجر أزميرلدا"!
طبعاً بعد هذا الكلام، والمقدمة من قبل المرشد الإيراني الأعلى، أجّل الحريري ما كان ينوي طرحه للحديث عن سلاح حزب الله، ونموه وما يطرحه بتواجده وانتشاره في لبنان من إشكاليات ومخاطر.
مردّ هذا الكلام الآن، هو الخطاب المميز والفريد، الذي ألقاه الإمام الخامنئي في الكلمة المطولة، التي قالها في تأبين السيد حسن نصرالله، في خطبة صلاة الجمعة في طهران. والتي حملت معان وإشارات دالة كثيرة، وهدفت إلى إرسال رسائل عدة مهمة في كل الاتجاهات ولكل الأطراف.
فإضافة إلى تعمد حديثه باللغة العربية، التي يتقنها والتي أراد من خلال استعمالها والتحدث بها، إرسال رسائل إلى الجمهور اللبناني والعربي، فما يجب التوقف عنده في أول ملاحظة، أن خامنئي اكتسح وتجاوز وألغى الحدود التي أقامتها الدول والمعاهدات، وتوجه مباشرة إلى الأمة الإسلامية، وتحديداً في لبنان إلى شباب حزب الله وحركة أمل، قائلاً: "يا شعبَ لبنانَ الوفي، يا شبابَ حزبِ الله وحركة أمل المُفعَمَ بالحماسَة! يا أبنائي، هذا أيضًا طلبُ سيّدنا الشهيد اليوم من شعبه وجبهة المقاومة والأمّة الإسلاميّة جَمعاء".
وقد مد السيد خامنئي يده مباشرة إلى شباب حركة أمل وحزب الله ومن دون سؤالهم طبعاً، غير معترف بوجود دولة أو مرجعية لهؤلاء الشباب، يفترض أن يمر بها قبل مخاطبتهم ودعوتهم للجهاد في مواجهة إسرائيل والشيطان الأكبر.
بمعنى آخر، أكد السيد خامنئي بكلامه، أن الدولة والجمهورية في لبنان هي آخر اعتبار في نظره. فقد أعلن الجهاد وطلب من شعب لبنان والمنطقة الالتحاق بهذا الجهاد وتلبية النداء، من دون استشارة أحد، فألغى الحدود والحواجز ومد يده إلى كل أرجاء المنطقة، بغض النظر عن النتائج التي ستصيب أهل هذه البلاد وعمرانها ومستقبلها.
مع العلم أن السيد خامنئي قد يعود في أي وقت يريده إلى نظرية "الصبر الاستراتيجي"، التي ابتدعها لعدم الرد على إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ومواجهتهما. وحين أفتى بالهجوم ومن ثم بـ"التراجع التكتيكي" الذي تفرضه مصلحة الأمة الإيرانية، لا الأمة اللبنانية أو العربية أو الفلسطينية.
النقطة المهمة في كل ذلك، أن السيد الخامنئي المتحدث والخطيب البارع، وبعد أن كان أوضح رئيس جمهورية إيران في الأمم المتحدة مسعود بزشكيان أن بلاده تميل إلى التفاوض مع الولايات المتحدة، أوفد وزير خارجيته عباس عراقجي إلى لبنان لقطع الطريق على أي محاولة لبنانية للتحرك المستقل أو التقاط الأنفاس، والبحث والتفكير بمخارج أو حلول علاجية أو تخفيفية للكارثة التي ألمّت بلبنان واقتصاده وشعبه الذي تشرد ونزح، وهُجر منه مليون إنسان عن منازلهم وحقولهم وأعمالهم في غضون أيام بل ساعات.. على أيدي مجرم الحرب ومصاص الدماء الأكثر حداثة ونهماً، بنيامين نتنياهو.
جوهر المسألة المندلعة الآن في لبنان، في مواجهة العدوان الوحشي الإسرائيلي المتفلت من الحدود والضوابط، أن المبادرة التي أقدم عليها "الأخ الأكبر" رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بالتعاون مع "الأخ الأصغر" الرئيس نجيب ميقاتي وحكيم المختارة الجبلي، أبو تيمور، وليد جنبلاط، لمحاولة إيجاد مخارج، تواجه بالصدود والتطويق والرفض والتخوين.
فالرئيس برّي الذي أرسل إشارات شجاعة متقدمة وحيوية، عبر الحديث عن الاستعداد لانتخاب رئيس جمهورية "توافقي"، سرعان ما أُرسل له وزير خارجية إيران للوقوف على مدى اتساع واتجاهات وأهداف حركته، في هذه اللحظة الحساسة والمفصلية. وللقول للجميع، "لا يتحرك أحد من مكانه. إيران لا تزال موجودة ومؤثرة".
وقد يكون الكلام المتسرب من أوساط حزب الله، عن التصدي للمؤامرة الأميركية الهادفة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، يا للهول! تشكل آخر صيحات الصلف والجنون، الواقع في لجة التعالي والنكران الأجوف والمخيف، والتجاهل للحقائق الفعلية، التي كشفت هشاشة وزيف ادعاء الردع والصلابة والمناعة في معركة التصدي الطويلة لأطماع إسرائيل، التي انتقلت إلى تحويل الجنوب إلى منطقة منكوبة ومحروقة غير قابلة للسكن والحياة والعيش.
في إشارة دالة وواضحة على المصير اللبناني الزاهر مستقبلاً، اتحفنا الشيخ العلامة صادق النابلسي، بقوله واعتباره أن المؤامرة الأميركية الهادفة إلى إيصال قائد الجيش على ظهر الدبابة إلى سدة الرئاسة لن تمر، ليتبعه القيادي في حزب الله محمود قماطي بضرورة قطع الطريق والتصدي لاستعجال جماعة أميركا لانتخاب رئيس جمهورية الآن!
آوف، ما هذه الجريمة والمؤامرة الخبيثة والنكراء التي يعد لها جماعة أميركا، بأن يفكروا الآن بانتخاب رئيس!؟
في الواقع، إن حزب الله الذي يؤكد تميزه الظاهر والمقدر يومياً في التصدي لمحاولات إسرائيل في التقدم البرّي على جبهة الجنوب، يحقق كل يوم تراجعاً سياسياً ومصلحياً لبنانياً، في إحباط محاولات أي تفكير لبناني وطني بالتقدم باتجاه التفكير والتحفز للخروج من مأزق المساندة المدمرة للبنان وأرضه وناسه ومؤسساته.
يبدو أن إسرائيل بنيامين نتنياهو التي طالبت لبنان، ولم توفق، بتطبيق القرار 1701، ستنتقل إلى المطالبة والطموح بتطبيق القرار الأشد رعونة وصعوبة، وهو القرار "المشؤوم سيء الذكر" 1559.
ولبنان النازح والنازف، والمشرد على الأرصفة والطرق، والمنتشر بين غرف المدارس الجرداء والباردة، في هذه الحالة، موعود بحمل خنجر أزميرالدا من الآن وإلى أبد الآبدين.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها