الأربعاء 2023/08/16

آخر تحديث: 00:46 (بيروت)

حزب الله والتيار:من محاكاة الوجدان المسيحي...إلى تقاطع المصالح

الأربعاء 2023/08/16
حزب الله والتيار:من محاكاة الوجدان المسيحي...إلى تقاطع المصالح
باسيل يراهن على التفاهم مع حزب الله لحفظ الإستقرار، والأمان (أرشيف)
increase حجم الخط decrease

تصوران يحكمان علاقة حزب الله بالمسيحيين، أو علاقة الشيعية السياسية بأركان وأطراف القوى المسيحية. ويمكن استخدام مصطلح الشيعية السياسية في هذا المجال لسببين، الأول الإنسجام الغالب والطاغي بين حزب الله وحركة أمل في التوجهات السياسية والإستراتيجية. والثاني هو حصول اختلافات بين أحد طرفيها مع التيار الوطني الحرّ، أي الخلاف المستمر بين التيار وحركة أمل، واعتبار التيار أن الحزب غالباً ما يبدّي العلاقة مع نبيه بري على حسابه.

التصور الأول ينطلق من تساؤل أساسي إذا ما كانت التطورات الحالية، تؤدي إلى توسيع هامش الإفتراق بين المسيحيين والشيعة. تستند التطورات على  التوترات السياسية، عدم الإنسجام في الإستحقاق الرئاسي، وتنامي نزعة المسيحيين نحو القطيعة مع حزب الله.

أما التصور الثاني، فهو إمكانية أن تؤثر كل هذه التطورات إيجاباً على العلاقة بين المسيحيين والشيعة وتعيد التقريب بين الجانبين.

تلاق وافتراق
تمتد العلاقة بين المسيحيين والشيعة في لبنان على حقبات متعددة. مع نشوء لبنان الكبير وما بعده، احتكمت العلاقات إلى التحالف السياسي الذي استمر إلى ما بعد انتخاب بشير الجميل مع الرئيس كامل الأسعد. كما كان الإلتقاء الموضوعي بينهما على رفض نشاط منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان أو الجنوب.

انكسرت العلاقة سياسياً مع صعود دور حركة أمل، ولاحقاً مع حزب الله، الذي التقى بظرف موضوعي مع توجه سياسي للعماد ميشال عون حول رفض اتفاق الطائف. ولكن الإفتراق كان قائماً بينهما دوماً، وتعزز في التسوية السياسية التي حكمت لبنان طوال فترة التسعينيات.

بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تنامت الإتجاهات الشعبية للمسيحيين باتجاه الخصومة مع حزب الله، ومطالبة جمهور الأحزاب بعودة ميشال عون من المنفى وخروج سمير جعجع من السجن.

عزلة الحزب وورقة التفاهم
يومها، حصل الإفتراق الموضوعي، فشعر حزب الله أنه في عزلة. سعى إلى كسرها وذهب إلى توسيع هامش التحالفات ومروحتها وصولا إلى ما سمي "ورقة التفاهم" مع التيار. سبق ذلك، أو تزامن معه، سلسلة تفجيرات حصلت في المناطق المسيحية عام 2005 لم تجد من يتبناها، ولم تؤد إلى سقوط ضحايا. سجّل إنفجار كل أسبوع على مدى أربعة أسابيع في مناطق مسيحية متعددة، وكأن هناك من أراد بث الرعب في نفوس المسيحيين على قاعدة أن الإنقسام القائم سيعود عليهم بنتائج سلبية.

تعزز هذا الوضع بعد التظاهرة الشهيرة باتجاه السفارة الدنماركية والتي نظمت من قبل جهات ملتزمة أو متطرفة والأحداث التي رافقتها، ما كرّس قطيعة إجتماعية و"ثقافية" بين السنّة والمسيحيين، بخلاف الصورة التي قدّمتها فترة 14 آذار التي كرست صورة لبنان الواحد، وعاد السنّة خلالها إلى شعار "لبنان أولاً".

كل هذه المعطيات تجمّعت سياسياً لينتج عنها انقسام مسيحي واضح، بين جهة تتحالف مع السنّة والدروز، وجهة أخرى ممثلة بالتيار الوطني الحرّ تذهب للتحالف مع حزب الله، فيقع الإنقسام العمودي. مع سؤال يبقى مفتوحاً حول أثر تلك الأحداث الأمنية المتنقلة على تكريس التحالف بين الحزب والتيار الوطني الحرّ، من دون إغفال المصلحة المتبادلة بين الطرفين.

مع اندلاع الثورة السورية، وعسكرتها وغزوها بجحافل القوى المتطرفة من قبيل تنظيمي داعش وجبهة النصرة، أعلن حزب الله عن تدخله في تلك الحرب دفاعاً عن المقامات الشيعية والمسيحية خصوصاً في معلولا وصيدنايا وغيرها، بمواجهة الإرهاب. وأسبغ على التدخل شعار الدفاع عن لبنان استباقياً من دخول الإرهاب إلى لبنان واستهداف مناطق المسيحيين وتهجيرهم. فتعزز التحالف الموضوعي بين الحزب والتيار وحظي الحزب بتضامن مسيحي معه.

"المصيبة" تجمع
لكن موجة التفاهم هذه والتضامن بدأت بالخفوت منذ ما بعد ترؤس ميشال عون للجمهورية اللبنانية، اذ يعتبر الأخير أن حزب الله قد بدّى علاقته مع نبيه بري على حسابه وحساب عهده. وارتفع منسوب الإختلاف على وقع الإنهيار، وانهيار القطاع المصرفي وغالبية القطاعات اللبنانية الناجحة، وصولاً إلى تفجير مرفأ بيروت، والذي اعتبر ضربة قاسمة لأي التقاء مسيحي مع الشيعية السياسية. وتزايد الخلاف في ملف استحقاق رئاسة الجمهورية بعد تبني الشيعية السياسية خيار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، والذي رفضه رئيس التيار الوطني الحرّ بشكل قاطع في البداية ما كرّس نوعاً من القطيعة السياسية بين الطرفين. إلى أن جمعت بينهما "مصيبة" الرئاسة، ففتحت قنوات الحوار المباشر بينهما، على اعتبار ان عدم التفاهم بينهما فإن طريق الرئاسة ستوصل قائد الجيش جوزيف عون. وقد جعل ذلك باسيل بين خيارين مرّين، إما سليمان فرنجية أو جوزيف عون.

حفاظاً على الاستقرار 
انطلق التفاوض بين الجانبين، ولا يزال مستمراً، وفي خضمّه جاءت حادثة الكحالة، وحادثة عين ابل. فُتح باب التساؤلات مجدداً، حول ما إذا  كانت تلك الاحداث ستحرج باسيل في مفاوضاته مع الحزب، أم أنها ستفتح الطريق إلى التفاهم على قاعدة أن الحزب بحاجة لاستعادة التيار وجزء من المسيحيين، مقابل تقديم مكاسب لباسيل يعزز بها وضعه وموقعه في العهد المقبل، على ان لا يخرج ذلك عن مبدأ أساسي يلجأ إليه باسيل في مثل هذه الحالات، على قاعدة رفض التصعيد او الذهاب نحو الحرب كي لا تسهم في تهجير المسيحيين، وبالتالي لا بد من العودة إلى التفاهم مع حزب الله لحفظ الإستقرار، وتوفير الحماية والأمان، تجنباً للعودة إلى تجربة الحرب أو العودة إلى تجارب المناطق الحرّة والذاتية.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها