غالباً، نحاول التغاضي عن ما يُسمع من أخبار عن بعض اللبنانيين في بلاد الإغتراب. بل نحاول تجاهل أو إنكار ضلوعهم في عالم الجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات، وامتهانهم فن تهريبها من بلد إلى آخر.
المعلوم أيضاً، أننا لم نعد نملك المقدرة على تغيير بعض الحقائق، خصوصاً تلك التي تثبت أن فئة من اللبنانيين في أفريقيا صاروا من كبار تجار المخدرات، وأن الأراضي اللبنانية صارت ملاذاً آمناً لاستقطاب كبار زعماء المافيا ورؤساء العصابات.
ما يحدث الآن في لبنان، أن القضاء اللبناني ما زال يكمل مفاوضاته مع السلطات الإيطالية، التي زار وفد منها لبنان مؤخراً، بغية متابعة قضية رجل إيطالي معتقل لدى السلطات اللبنانية، معروف بأنه من كبار تجار المخدرات في ايطاليا، والذي تم القبض عليه خلال تناوله وجبة الغذاء في مطعم معروف في منطقة جونية.
ترويج وتهريب
الموقوف الإيطالي اسمه BARTOLO BRUZZANITE. وهو من كبار تجار المخدرات في ايطاليا وأفريقيا. تاريخه الأسود حافل بمذكرات التوقيف الصادرة بحقه في إيطاليا. فهو متهم بتهريب المخدرات، ومعروف بأنه ناشط في مجال تهريب الكوكايين وتوزيعه بين مختلف البلدان، وبحقه نشرة أبحاث دولية زرقاء صادرة من ساحل العاج بجرم تهريب المخدرات، ونشرة أبحاث دولية حمراء صادرة من إيطاليا بجرم تشكيل مجموعات إجرامية، بعد اتهامه بنشاطه في ترويج وتهريب المخدرات والكوكايين، إضافة إلى 5 مذكرات توقيف صادرة من النيابات العامة الإيطالية، وتمت معاقبته بالسجن لأكثر من 10 سنوات متواصلة منذ عام 2002 حتى 2012. وفي عام 2019 اتهمته السلطات الايطالية مجدداً بأنه يعمل في تهريب المخدرات، وكان وسيطاً بين مجموعة من الأشخاص في إيطاليا وبين تاجر مخدرات مشهور آخر، فأصدرت بحقه مذكرات التوقيف الدولية وعممتها عبر الانتربول.
سلسلة من المطاعم والعلاقات
بعد أشهر من تعقب خطواته، حيث تنقل بين إيطاليا وأفريقيا وصولاً إلى الأراضي اللبنانية، تمكن القضاء اللبناني من تنفيذ الإستنابة القضائية الإيطالية وقُبض عليه في جونيه، بعد أن طالت زيارته في لبنان لأكثر من عام، تنقل فيها بين مختلف المناطق، وحل ضيفاً على الكثير من الفنادق بمساعده مجموعة من اللبنانيين الذين يشاركونه في إدارة سلسلة مطاعم في ساحل العاج متخصصة في بيع المأكولات الإيطالية، كالبيتزا والباستا.
اللافت في صداقاته، أنه على علاقة قوية و"متينة" برفاقه اللبنانيين في ساحل العاج، فهم يعاونونه في إدارة المطاعم الإيطالية. وعلى ما يبدو أن هذه الشراكة ليست محصورة بإدارة المطاعم فقط، فالسلطات الإيفوارية ألقت القبض على شريكه اللبناني الأول عام 2022، بتهمة تهريب الكوكايين وتجارة المخدرات. وألقت القبض أيضاً على شريكه الثاني بتهمة تهريب الكوكايين في ساحل العاج.
إلقاء القبض عليهما جرى بين عامي 2019 و2022، وذلك بعد أن أوقفت السلطات عصابة كبيرة من تجار المخدرات في ساحل العاج، وبعد أن أحبطت عملية خطيرة لتهريب المخدرات دولياً والتي ضمت كميات ضخمة من الكوكايين.
العودة إلى إيطاليا
هذا المهرب الذي يعرف عن نفسه اليوم بأنه صاحب سلسلة من المطاعم الإيطالية في ساحل العاج، وتاريخه المهني مليء بالخبرة الواسعة في إدارة المطاعم والشركات الكبيرة، حيث كان مديراً لشركة بيع الزيوت، والذي ينفي علاقته بالمخدرات وبأي تهمة إجرامية أخرى.. تحول "فجأة" إلى رئيس مافيا، بحوزته مجموعة كبيرة من الأجهزة الخلوية. تاجر خطير معروف بتهريب المخدرات والترويج لها. فهو المسؤول عن نقلها بين أميركا وايطاليا وساحل العاج وتوزيعها، ليصبح مؤخراً تحت قبضة القضاء اللبناني.
وأطرف ما في الأمر، أنه دخل الأراضي اللبنانية للمرة الأولى، ليثبت أنه يتمتع بصفات "الصديق الصالح". فقد حضر إلى لبنان من أجل شريكه اللبناني الذي يعاني من بعض المشاكل العائلية، بما معناه "جاء لحل مشكلة صديقه العائلية"، إلا أنه علم "صدفةً"، بأن السلطات الإيطالية تلاحقه، فبدأت رحلته بالتنقل بين المناطق اللبنانية حتى تم القبض عليه في جونية خلال تناوله وجبة "الطاووق".
في الخلاصة، الأسابيع المقبلة من المفترض أن يُسلم للسلطات الإيطالية كي يمثل أمام القضاء الإيطالي قبل معاقبته. لكن، من المؤسف القول، أن هذه القصص تخبرنا اليوم أن الأراضي اللبنانية صارت مرتعاً للمطاردين ولتجار المخدرات وللفارين من العدالة. وخير دليل على ذلك قدرة زعيم المافيا الايطالي على التنقل من فندق إلى آخر لأكثر من عام بطريقة غير قانونية بمعية رفاقه اللبنانيين، بعدما انتهت صلاحية أوراقه الرسمية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها