خلال الأسابيع الماضية، كثفت إسرائيل غاراتها مستهدفة أكثر من 23 بلدة على الشريط الحدودي، وتصاعدت وتيرة الاعتداءات، بعدما قرر العدو الإسرائيليّ تفخيخ المنازل وتفجيرها بالكامل.
صدمة كبيرة حلّت على الجنوبيين بعد مشاهدتهم المقاطع المصورة التي نشرتها إسرائيل ووثقت من خلالها عمليات تفجيرها بلدات جنوبيّة عدة. المقاطع المصورة كانت بمثابة رسائل لأهالي الجنوب، لإبلاغهم بأن البلدة نُسفت وفُجرت، بكل ما فيها. فُجّر تاريخها، تراثها، عادات أهلها، ذكريات سكانها، وجرفت جثث أمواتها. فالمتفجرات التي زرعت داخل البيوت، قضت على القرية بشكل كامل في ثوانٍ قليلة.
تدمير شامل
تعتمد إسرائيل في عملياتها البرية في جنوب لبنان على نسف القرى الحدوديّة. أحياء كثيرة مُسحت بالكامل، بعد دخول الجيش الإسرائيلي للعديد من البلدات الحدودية، وتفخيخ بيوت الأهالي، ومن ثمّ توثيق هذه اللحظات، من خلال الضغط على زرّ واحد، فتنسف البلدة بأكملها في أقل من دقيقة.
نسف التاريخ
دُمرت بلدة العديسة، وهي من قرى قضاء مرجعيون في محافظة النبطية، بالكامل. محتها إسرائيل عن الخريطة، بعدما فجّرت أكثر من 5 أحياء من أحيائها. ولم يتبق منها إلا بعض البيوت الواقعة في أحياء صغيرة بالقرب من منطقة رب الثلاثين.
يؤكد مختار البلدة، محمد رمال لـ"المدن" أن العدو الإسرائيليّ جرف مقابر البلدة، واقتحم بيوت الأهالي زارعًا فيها المتفجرات، وأغارت طائراته على الأحياء بشكل عنيف، وما لم تدمره الغارت تم تفجيره عن عمد، مما أدى إلى خسارة البلدة لمبانيها التراثية، إذ طال التدمير إحدى العمارات الاثرية المعروفة، وهو قصر تراثي ضخم يعود تاريخ تأسيسه إلى عهد الأمير فخرالدين المعني الكبير، إضافة إلى مقامين دينيّن هما مقام الخضر، والنبي عويضة، كما دُمر أيضًا نبع ماء قديم العهد، بني منذ أكثر من 200 عام، تمر مياهه في أنابيب تحت الأرض وصولًا إلى عين البلدة وهي صالحة للشرب.
ووفقًا لكلام رمال، فإن العدو الإسرائيليّ أغار على دور العبادة وفجّرها بالصواريخ، ودمّر أحد المساجد الأثرية، التي بنيت منذ أكثر من 250 عامًا، وأعيد ترميمها في العام 2007. تضم العديسة حوالى 8000 نسمة. وهي من البلدات المُطلة على فلسطين المحتلة. تعرضت لتدمير شامل منذ أيامٍ، ويوضح رمال لـ"المدن" أن تاريخ البلدة دُمّر كاملًا، وكانت تتميز بمعمل للحلويات، وبمحطات للوقود، وبمقالع للصخر، ومساجد كبيرة، ولكنها تعرضت للهجوم الإسرائيليّ وقُضي عليها.
ويختلف واقع البلدة اليوم عما كانت عليه في أعقاب عدوان تموز 2006. يومها اقتصر الدمار على عدد من المنازل، ويقول رمال "في حرب تموز تعرضت بيوت قليلة للتدمير، لكن هذه المرة مُسحت البلدة بأكملها، وجرفت القبور والطرقات الأساسية والفرعية، ولم يتبق أي شيء منها". مضيفاً أن صدمة كبيرة حلّت على السكان، وهم بحالة صدمة جراء هذه الاعتداءات القاسية خصوصًا بعدما تعرضت إسرائيل لحرمة الموت وجرفت القبور.
تفخيخ المنازل
ولا يختلف المشهد في بلدة عيتا الشعب التي يعود أصل تسميتها لملك رومانيّ يدعي "إيتا"، الذي اتخذ فيها مقرًا له وسميت باسمه. وهي من القرى الحدودية، التابعة لقضاء بنت جبيل، أحد أقضية محافظة النبطية، وملاصقة لفلسطين المحتلة. تعرضت البلدة لقصف مدفعي، ولغارات جويّة عنيفة، وزُنرت البلدة بحزام ناري، وتم تفجير البيوت. وينقل محمد سرور، رئيس بلدية عيتا الشعب لـ"المدن" واقع الاعتداءات الإسرائيليّة التي طالت البلدة التي تضم حوالى 14 ألف نسمة. بالقول: "دخلت القوات الإسرائيليّة المنازل، خلعت أبوابها وبعثرت محتوياتها، ونشرت الثياب على الأرض كي تتمكن من التحرك، وعند الانتهاء من استخدام المنازل، فخخوها وفجروها". ويتابع: "تعرضت 8 جوامع للقصف الإسرائيليّ ودُمرت ويعتبر جامع "الإمام عليّ" من أقدم دور العبادة في البلدة وقد بني منذ أكثر من 150 عامًا، وجُرفت شواهد القبور وقُلبت التربة، إضافة إلى أحياء تجارية ومحلات، كما دمرت المغارات وهي عبارة عن مدافن كان يعثر بداخلها على القطع الأثرية، وأغارت الطائرات الإسرائيليّة على الطرقات لمنع الوصول إلى البلدة، وجُرفت الأحياء بطرق يصعب على الدراجات النارية التحرك فيها. ويؤكد سرور "أن أضرار حرب تموز كانت محدودة، لكن إسرائيل تعمل اليوم على تدمير القرى بشكل كامل ومسحها"، متحدثاً عن تعرض مركز للشؤون الاجتماعية في البلدة للقصف، إضافة إلى مستوصف رباب الصدر، كما أغار العدو الإسرائيلي على مراكز الهيئات الصحية، بما يؤكده سعيه إلى تطبيق سيناريو غزة على هذه البلدة بشكل كبير.
وأظهرت المقاطع المصورة بلدة عيتا الشعب وهي مدمرة ووضع عليها عبارة "عيتا الشعب تُرحب بكم"، ووضع العدو الإسرائيلي على مدخل البلدة العلم الإسرائيلي في محاولة الإعلان عن احتلالها بالكامل.
"بلدة العروس"
بحسرة يتحدث رئيس بلدية كفركلا، حسن شيت عن بلدته ويقول لـ"المدن" إن البلدة تهدمت، و"لم يعد ممكنًا التعرف عليها من خلال الصور أو المقاطع المصورة. حُولت إلى أكوام من الردم المتراكمة". تضم هذه البلدة حوالى 5500 نسمة، وهي من قرى قضاء مرجعيون، في محافظة النبطية. تعرف ب"العروس"، ويتألف اسمها من "كفر" وتعني القرية، و"كلا" وتعني العروس وهي كلمة سُريانية.
لا يملك رئيس البلدية معلومات عن المنازل المُتبقية من البلدة، لكنه يؤكد تعرضها لتدمير شامل وممنهج، طال فيها المقابر للمرة الأولى، والمساجد الدينيّة، و4 حسينيات، كما نسفت الأحياء القديمة التي بنيت منذ أكثر من 150 عام.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها