في سياق هذا الكلام، كان نصرالله واضحاً بأن الحزب لن يتخلى عن مرشحه، وأنه يريد ضمانات جوهرية في أي استحقاق. وهذا لا يتوقف فقط على انتخاب الرئيس، إنما أيضاً سيكون منسحباً على عملية تشكيل الحكومة. يؤكد ذلك حجم الأزمة التي يعيشها لبنان وتعيشها جماعاته، خصوصاً أن قراءة نصرالله تأتي بالتزامن مع ما يشهده جنوب لبنان من استنفار دائم مع العدو الإسرائيلي. وهذا في مقابل استشعار جزء من اللبنانيين بأنهم غير قادرين على العيش مع الشريك الآخر، وتتعالى أصوات داعية إلى الطلاق أو الانفصال. أي في استذكار لما كان عليه الحال المشابه في الثمانينيات وخلال الحرب الأهلية. ولكن مع فارق أساسي أن المرحلة الحالية تبدو خالية من أي جهة جدية قادرة على استنباط الحلول، والتقريب في وجهات النظر على مشروع وطني جامع.
بانتظار تدخل خارجي؟
في مرحلة ما قبل الطائف كان هناك قوة من خارج الصراع المباشر تعمل على إيجاد المخارج، والبحث عن حلول. وكان الرئيس الراحل حسين الحسيني والبطريرك الماروني نصرالله صفير أكثر العاملين في سبيل ذلك. وقد كان الطائف حصيلة حوار يحصل بين أفرقاء أساسيين في البلاد. اليوم هذا الحوار مفتقد، ولو من خارج السياق المباشر للسلطة. فلا يوجد قوة أو مجموعة منهمكة في محاولة إيجاد مخرج أو حلّ قادر على توفير صلة بالخارج، يمكن أن يدفعه إلى رعاية أي حل يقوم على التوازن.
حالياً، ينتظر اللبنانيون أي تدخل خارجي يمكنه أن يقود إلى إرساء قواعد للتسوية، تحاكي هواجس كل القوى. لكن الخارج لا يبدو أنه مستعد للدخول في كل هذه التفاصيل، مقابل ارتفاع أصوات القوى اللبنانية التي تستدعي أي تدخل. ربطاً بالحراك الداخلي، تشير المعطيات إلى اجتماع يعقد بين مسؤولين سعوديين وآخرين فرنسيين في العاصمة الفرنسية باريس، لا سيما أن المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد البخاري، توجها إلى فرنسا للقاء أعضاء الخلية الفرنسية المكلفة بالملف اللبناني، ولا سيما بعد تعيين جان إيف لودريان مبعوثاً شخصياً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان.
توسعة الفراغ
قد يكون جزء أساسي من تصعيد اللهجة السياسية لدى غالبية القوى هدفه استدراج عروض للتفاوض مع الخارج والحصول على ضماناته. وفي حال توفرت يمكن حينها الحديث في تسوية متوازنة. أما في حال كان الموقف هو الثبات والتمسك بمرشح كما هو الحال بالنسبة إلى حزب الله تجاه سليمان فرنجية، فإن ذلك سيعني فراغاً طويلاً وأزمة مستمرة، لا تقف عند حدود الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، إنما ستمتد إلى المصرف المركزي، وبعدها ربما قيادة الجيش، بالإضافة إلى كل مواقع وإدارات الدولة الأساسية، ما سيُشعر المسيحيين بأنهم يراكمون الخسائر. وبالتالي، لا بد لهم أن يندفعوا إلى البحث عن تسوية.
أما في اللعبة السياسية، فإن الذهاب إلى طرح مرشح ثالث أو تعزيز حظوظ قائد الجيش في المرحلة المقبلة، قد تكون دافعاً يراهن عليه الحزب لاستمالة جبران باسيل مجدداً، تجنباً لمثل هذا الخيار.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها