الأحد 2021/04/18

آخر تحديث: 11:42 (بيروت)

نزعة عون "النضالية" بالتدقيق الجنائي والترسيم: شُبِّه له

الأحد 2021/04/18
نزعة عون "النضالية" بالتدقيق الجنائي والترسيم: شُبِّه له
كلما حاول القول "الأمر لي"، يجد من يذكّره بأن الأمر لمن هو في مكان آخر (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

بعد موضوع التدقيق المالي الجنائي، شهرت "بعبدا" موضوع الترسيم البحري، في جنوب لبنان. الموضوعان يشكلان حلقتين في سلسلة ما يظنّه عهد السيد الرئيس ميشال عون، هجوماً مضاداً على معارضيه، وسياقاً متصلاً، يؤسس، حسب ظنّ صاحبه أيضاً، سلوكاً يضمن استعادة زمام المبادرة السياسية في الداخل. إذن، في الأمر مسعى له أول سياسي، وله هدف، وخطة محددة للوصول إليه. جوهر الخطة، الاندفاعة السلطوية، التي تلبس عباءة الصلاحيات الرئاسية، ما سحب منها بموجب الدستور، وما يكفله الدستور، وربما ما قد يتيحه الظرف اللبناني الحالي، من تجاوز لمنطوق الدستور.

ولأن التعقيدات الداخلية تكبح اندفاعة العهد الجديدة، ولأن حصيلة الوعود الرئاسية، في الداخل، لا يعتدّ بها عند احتساب الإنجازات، ذهب أداء المركز الأول في الجمهورية، إلى أسلوب "الصدم" على جبهتين: جبهة المال العام، وجبهة الثروة المدفونة في أعماق البحار.

النضالية الرئاسية
من خلال الكلام المباشر لرئيس الجمهورية، ومن قراءة ما يصدر عن أقلام المصادر الرئاسية، يتكوّن انطباع عن نزعة نضالية مقصودة، ذلك أن الشعارية العالية، والنبرة الحادة الواثقة، تشكلان تعويضاً آنياً مطلوباً، عن ركود الحركة السياسية المنتجة، والفاعلة، والمتدخلة تدخلاً مؤثراً وإيجابياً، في مجرى صناعة القرارات الوطنية، وفي يوميات متابعة ومراقبة تنفيذها. بناءً على ذلك، يقتضي أمر الحضور الصاخب، حسن انتقاء المواضيع، ودراسة حساسية طرحها على الجمهور، وتبيّن طبيعة الردود المتوقعة على كل مقاربة بعينها.. ومما هو معلوم، أن كل ردّ شعبي، يصدر بالتناسب مع ملامسة كل وجهة، لـ"خلطة" المصالح والمشاعر والتوقعات الفردية التي ينتظرها المرؤوس من رؤسائه. كذلك فإنه من المعروف أيضاً، أن الحاكم، صاحب المبادرة، يدرس سلفاً ردود "النسق الرسمي" بشقيه، من كان منه في الحكم، ومن كان منه خارج صفوفه.

في امتداد ما ذُكِر، يدرك الموقع الرئاسي، حساسية مسألة التدقيق المالي الجنائي، الذي هو الإسم الآخر للفساد، ويدرك مركزية الثروة النفطية، في ذهن ومشاعر الجمهور، لأنها الإسم الآخر لتوظيف كنز مطمور موعود، في استعادة مرتجاة، لعيش مفقود رغيد.

لكن، ولأن وضوح الإعلان لا يعصم المعلن من استفهام: لماذا وكيف، يذهب إمعان النظر إلى قراءة ما خلف السطور، وإلى التدقيق في ما احتجب بينها. هذا لأن القول لا يُؤخَذ به منقطعاً عن إطاره، ولا منبتّاً من أصوله، والحال، إن الوضع اللبناني الحالي، والمناكفة السياسية بين قواه، والسجال التصادمي المندلع، حول تشكيل حكومة لبنانية جديدة.. كل ذلك، يشكل النصّ الآخر، المنتظر على قلق، والمتربص على تحفّز، وبسرعة، تنتظم بين الأطراف معركة النصوص الحامية. هكذا تنكشف مقولات القوة عن ضعف، وتبدي المقولات التي وضعت في خانة الضعف، ضراوة صدامية، تجد أساسها في معادلة: أن "القوة" في لبنان، مثلها مثل "الضعف"، تتبادل وإياه المواقع، كلما تبدلت الموازين، لذلك تظل السيطرة المطلقة، مطلباً بعيداً المنال، ولذلك يبقى الكسر الطائفي، مجافياً لواقع الحال. وعليه، وتأسيساً على معادلة، الضعف-القوة، تسقط مقولة الرئيس القوي، ومعها يسقط طموح بناء الهيمنة المطلقة الشاملة، على كل البنية اللبنانية.

في غياب ما أشير إليه، ماذا يمكث في الأرض، من أداء النضالية الرئاسية؟ وما المآل الأخير لهكذا نضالية؟

مخاطبة التاريخ
ربما اختار الرئيس العماد ميشال عون، مخاطبة التاريخ، باعتماده التذكير بنضاليته التي كانت، وبدعوته الجديدة، لمنحه الثقة في معركته النضالية الراهنة، كامتداد طبيعي، للثقة التي مُنحت لنضاليته السابقة. واقع الحال، ينبئ بمخالفة الرغبة الرئاسية، وعلى صعيدين إثنين. أولاً، صعيد البيئة "المسيحية" الخاصة، المنقسمة على نفسها، اليوم، وفي أيام صعود "العونية"، شعبياً وسياسياً. وثانياً، على صعيد البيئة اللبنانية العامة، التي ناصبت العونية الخلاف والخصومة والجفاء، في الماضي غير البعيد، وفي سياق حاضر الأيام.

إذن، من بوابة التاريخ، إلى التاريخ، يقتضي الأمر مراجعة ما كان تاريخاً "صراعياً"، للولوج إلى تاريخ توافقي، حول النسخة التاريخية "العونية" البديلة. ربما راهن صفّ واسع من اللبنانيين على هذا التبدّل، وربما ترقّبوا صدور أمل من جهة الرئيس، يكون مقدمة لعهد يستطيع المحاسبة، ويقدر على أن يحتل موقعاً متقدماً، على كل المواقع الرسمية الأخرى، في خصاله، وفي سلوكه، وفي رعايته لأحكام قسمه الدستوري، لكن ذلك لم يشتدّ عوده، ولم يتأسّس نهج العهد على صناعة الشراكة، وعلى الارتفاع فوق أشراكها المصلحية، بل إن "الحزبية" العونية، صارت طرفاً، وصار للرئيس حزب يقول عنه ما لا يريد قوله. وعليه، فإن الحزبية لا تمكث كسلطة، في البنية اللبنانية، لأنها تحيل مباشرة، إلى التوجّس من التسلّط والإقصاء والاستئثار، وتدفع المتوجسّين إلى دائرة الحذر والشكّ والارتياب. أي إلى كل ما يتعارض ومطلب الحصول على الثقة الوطنية الإجمالية، وعلى الطموح إلى استلام دفّة الحكم استلاماً واثقاً، ومسيّجاً برضى شعبي واسع، مما يعين "الربّان" على قيادة السفينة إلى أفق التاريخ المنشود.

في الحصيلة، وبناء على ما يظهر من أداء، صار من المرجّح أن تكرّر العونية ذاتها، مع استعارة عنوان نضالي جديد، هو عنوان السيادة في وجه العدو الصهيوني، بعد أن كان العنوان النضالي السابق، إعلان الخصومة مع سوريا، ومع أطياف واسعة في الداخل اللبناني.. وقد تكون الحصيلة السياسية اليوم، مثلما كانت بالأمس، خسارة تنال من استقرار لبنان، ومن مقومات الشراكة الوطنية، ومن وفاق وعيش اللبنانيين.

نضاليتان
ارتبطت النضالية عموماً، بموضوع الصراع العربي الصهيوني، وفي المركز منه، قضية احتلال فلسطين. في لبنان، كان لذلك الصراع قواه، وهذه الأخيرة، تغيرت أسماؤها، وتنوعت خلفياتها الفكرية، كذلك تغيّرت مرجعياتها، وتحالفاتها الخارجية.

النضالية، الصراعية تلك، انتقلت رايتها في لبنان، إلى "حزب الله"، وهو القيّم اليوم على إدارة شؤونها، وعلى الاستفادة سياسياً من امتلاك ناصية هذه الإدارة.

في هذا المضمار، لا تستطيع العونية، أن تكون نضالية رديفة، ولا يُؤْخَذ التشدّد الرئاسيّ في حفظ الحقوق اللبنانية، المهدّدة من قبل العدو الاسرائيلي، على محمل النضالية اللبنانية الإضافية، التي تشبه حليفتها النضالية "الإسلامية"، هذه التي تعطي "العلامة" التقديرية ذاتها، و"الكفاحية"، لحزب الرئيس، أي التيار الوطني الحرّ.

وبسبب من الإحكام الذي تحرص عليه نضالية حزب الله، يظل الالتحاق فقط، هو الحيّز الضيق المفتوح، أمام من يريد تشبّهاً "بالفضائل" النضالية. ماذا يعني ذلك في السياسة؟ لا يعني أكثر من ضبط خطى "المتشبّه"، على وقع خطى المشبّه به. أي، وبكلام مباشر، ضبط خطى "الدخيل" نضالياً، على خطى الأصيل صراعياً. مُجدّداً، هذه خسارة سياسية موضعية، لصاحبها، فهو إذ يحاول القول: الأمر لي، يجد من يذكّره، بأن الأمر لمن هو في مكان آخر.

هل من خيار آخر، يُعِين على مكوث صاحبه في الأرض؟ نعم. هل مازال ممكناً استدراك ما فات من خسائر في سنوات العهد الحالي؟ نعم. هل يدخل الرئيس من باب الواقعية اللبنانية، ومن وقائعها، فيكون صاحب الكلمة الأولى، في نصّ إنقاذ لبنان؟

الجواب عند الرئيس اللبناني الميثاقي، والوفاقي، والتسووي.. رئيس لا يكترث لكل ما بات شائعاً، من غرائب النسخ النضالية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها