يتمسك لبنان، وفق تصريحات كل مسؤوليه، بالمبادرة العربية للسلام التي أقرّت في قمّة بيروت عام 2002. وهو في ذلك لا يريد أن يخرج عن الإجماع العربي، لا سيما في هذا الظرف الدقيق الذي يمرّ به لبنان سياسياً واقتصادياً ومالياً، وأقصى حاجاته لتقديم المساعدة له.
الحدود البحرية والنفط
طبعاً، لم يعد لمقررات قمّة بيروت أي اعتبار في السياسة الأميركية والإسرائيلية. الإعلان عن "صفقة القرن" يقفز فوق كل المبادرات العربية، وتقضي على كلّ الحلول. خصوصاً أن وجهة نظر بنيامين نتنياهو ترتكز على أن العالم العربي والشرق الأوسط في العام 2002 (عندما أقرت المبادرة)، لم يكن كما هو الحال اليوم من التشظي. كما أن الجغرافيا السياسية فيه تغيرت نحو الأسوأ. وبالتالي، لا شيء يلزم إسرائيل بالمبادرة العربية. وهي لم تعد قائمة بالنسبة إلى الأميركيين والإسرائيليين، لا فيما يتعلق بالقدس ولا بحق العودة، ولا حتى بالقرارات الدولية ذات الصلة. أما الحدود مع لبنان، التي تُركت في خريطة دونالد ترمب غير مرسّمة بشكل نهائي، فتبدو كأنها ستخضع مستقبلاً إلى تغيير.
نتحدث هنا عن ملف ترسيم الحدود البحرية، بما أن البرّية قد أنجزت بتشييد الإسرائيليين لجدار عازل. الحدود البحرية ستبقى نقطة أساسية من مندرجات وتداعيات الصفقة سياسياً، بالإضافة إلى ملفي النفط واللاجئين الفلسطينيين. وستكون عناوين شائكة ومعقدة في المرحلة المقبلة. ويعرف اللبنانيون أن هذه الملفات ترتبط بتطورات الوضع في المنطقة، خصوصاً بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران. ولن يكون هناك سبيلاً لحلّها قبل حصول تفاهم بين الطرفين.
التودد للسعودية
إلى ذلك الحين، ستتجه الأنظار اللبنانية إلى كيفية تأمين الدعم والمساعدات لتجنّب الإنهيار. وقد بدأ ناصيف حتّي بمهمته من موقعه كوزير للخارجية، ليس في إعلان الالتزام بمبادرة السلام العربية فقط، إنما أيضاً من خلال توجيهه الشكر إلى المملكة العربية السعودية على تعاونها ودعمها للبنان، في موقف رسمي لبناني يخطب ودّ السعودية في هذه المرحلة.
يقدّم حتّي خطاباً جديداً وانفتاحياً على الدول العربية، لعلّه يعود على لبنان بمردود إيجابي. لكن طبعاً لا يمكن بناء الأوهام على كلام معسول. فأي تغير بالموقف سيكون مقترناً بتغيير جوهري في السياسة اللبنانية. محاولة حّتي الخارجية، تساندها محاولات محلية في الداخل، لتهدئة الأجواء السياسية من خلال البيان الوزاري أولاً، وحساسية الظروف التي توجب على القوى التي خرجت من الحكومة عدم تصعيد المواقف السياسية للتشويش عليها، لأن الوضع لا يحتمل. ولذلك، بدأت اتصالات مباشرة وغير مباشرة من قبل حزب الله وحلفائه، مع تيار المستقبل، والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، تحضيراً لجلسة الثقة. ولمنع بروز مواقف سياسية اعتراضية حادة ضد الحكومة، تفرمل عملها، وتؤثر سلباً على الواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي.
مراعاة الحال
وتشير المعلومات إلى أن التواصل مع المستقبل والاشتراكي والقوات، ليس هدفه إقناعهم بمنح الثقة للحكومة، إنما بعدم التصعيد السياسي بوجهها أو استهدافها بشكل مركّز، بل إعطائها فرصة، مع تعهدات بأن لا تقدم على أي إجراءات استفزازية أو إنتقامية تطال من امتنعوا عن المشاركة فيها. وسيكون هناك مراعاة لهم في أي تعيينات سيتم إقرارها، خصوصاً أن هناك إصراراً لدى الحزب على حفظ التوازن وعدم الدخول في معارك سياسية تزيد منسوب الانهيار. ويستمر إطلاق الرسائل الإيجابية تجاه الحريري، خصوصاً أن هناك قناعة لدى مختلف القوى بأن هذه الحكومة لن تكون طويلة الأمد، ولا بد من إجراء تسوية جديدة مع رئيس تيار المستقبل، حتى ولو بدا الأمر مستبعداً في عهد عون، بسبب عمق الجفاء والخلاف مع الحريري.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها