إعلان الولاء لحزب ولاية الفقيه وتاريخ الدم
المصالحة التي أُنجِزَت بين حركتي أمل و فتح دفعت الرجل إلى الانعطافة الأولى والنهائية نحو محور إيران بعدما جرى تجنيده لصالح حزب الله مع قياديٍ آخر يُدعى محسن الحلاق، وأصبح العينَ التي يرى بها الحزب والعقل الذي يخطط الحزب عبره لاستباق أي مواجهة أمنية أمّا أوراق ولائه فقد كُشِفت حين اشتداد معركة إقليم التفاح بين حركة أمل و حزب الله في منطقة كترمايا عندما علم بهجوم مرتقب على مركز للحزب، فقام بقصف حركتي أمل وفتح بالراجمات وقتل نحو مئة مقاتل من فتح التي حوصرت بشكل مفاجئ فانكشف تعاونه السري مع الحزب وخرج إلى العلن.
الانكشاف هذا أشعل معركةً بين فتح وسليمان الذي نجح في التحالف الموقت مع مؤسس عصبة الأنصار الشيخ هشام الشريدي من باب تبنّيه العناوين الإسلامية لكنه خسر المعركة وخرج من المخيّم إلى ثكنة مكسيموس في منطقة عبرا.
بعد اعتبار الحزب نفسه منتصرًا في معركة إقليم التفاح وفرض وجوده العسكريّ في لبنان أصبح جمال سليمان الذراع العسكرية الفلسطينية للحزب في مخيم عين الحلوة وأسس حركة "أنصار الله" التي تمددت إلى مخيمات البص والرشيدية وعين الحلوة وأسس لهذا الأمر علاقةً جيدة مع الاستخبارات السورية التي كانت في لبنان، وعُيِّن بشكل غير رسميّ الرجل الأول للحزب في المخيمات برتبة الحاكم الآمر والناهي في مخيم المية ومية شرق صيدا.
أثبت وجوده العلني في المية ومية بعدما قتل القيادي الفتحاوي المحسوب على جناح محمد دحلان مع سبعة من رفاقه في وضح النهار، وعلى مسمع أهل المخيم ومرآهم، بعد صراع على النفوذ والقرار، ولم يُحاسب على ما ارتكب.
وبعد فترة وجيزة قتل شخصين في مخيم المية ومية واتُهِم القتيلان بالانتماء إلى تنظيم داعش واختفت معالم الجريمة،وبعد فترة اتُهِم أيضًا بقتل القيادي الفتحاوي فتحي زيدان الملقّب بال"زورو" بواسطة عبوّة ناسفة على طريق المية ومية وحي الأمريكان.
وقبل نحو سنتين ثبت لدى جهاز أمن حركة فتح أنّه حاول اغتيال المسؤول في الاستخبارات لديها في سفارة لبنان إسماعيل الشرّوفي،الأمر الذي أثار غضب القيادي عزّام الأحمد الذي كان موجودًا في لبنان إلّا أنّ صعوبة الوصول إلى الرجل حالت دون محاسبته.
بعد فشله بالتمدد عسكريًا في عين الحلوة رغم وجود عشرات المقاتلين التابعين له مباشرةً حاول بدعمٍ من حزب الله إنشاء حالة خدماتية تظهّرت عبر إنشاء مستشفى القدس داخل المخيّم لكنها باءت بالفشل.
وعلى الرغم من عدم تمتعه بالشعبية داخل مخيم عين الحلوة إلا أنّ جمال سليمان ممَثلٌ داخله عبر ابراهيم الجشّي المعروف ب "أبو السمَك"، وهو ممَثلٌّ أيضًا بنائبه محمود حمد الذي يحضر اجتماعات القيادة السياسية في صيدا واجتماعات السفارة الفلسطينية وهو ما يثير استغرابًا كبيرًا لدى الأوساط التي تتهمه بعدم طيّ صفحة الحروب الداخلية.
هل تنهي الجريمة الأخيرة مسلسل الخفاء؟
جمال سليمان إختفى عن ساحة الظهور العلنيّ منذ أكثر من 15 سنة وليس له أي صورة من ذلك الوقت،ولا يقبل أن يظهر في أي صورة أثناء الاجتماعات التي يحضر فيها، بل ينتظره المصورون أن يبرح المكان لتوثيق الاجتماع.
أما حضوره إلى مخيم عين الحلوة فهو أقل من القليل ويدخله بطريقة سرية ولا يعرف أهل المخيم بوجوده إلا بعد مغادرته.
قبل نحو أسبوعين إتَهم سليمان أحد المقربين منه ويُدعى بلال زيدان بالتنسيق مع مسؤول الأمن في فتح منذر حمزة بهدف اغتياله فاعتقله وبدأ التحقيق معه مدة 4 أيام،علمت استخبارات الجيش بالأمر وطلبت التحقيق مع زيدان رسميًا وبما أنَّ الأخير هو ضِمن الدائرة الأمنية الضيّقة لسليمان وأمين أسراره جرت تصفيته، الأمر الذي زاد من غضب المؤسسة العسكرية على سليمان فانتشر الجيش على الطريق التي يمرّ منها و هي تبدأ من المية ومية والأشرفية (شرق صيدا) ومنطقة الفيلات وحارة صيدا وانتشرت المعلومات الأمنية عن التحضير لاعتقاله بأية طريقة.
الرسالة الأولى فهمتها حركة فتح بأنَّ الغطاء رُفِع عن جمال سليمان من قبل الحزب فبدأت تحشد لشنّ الهجوم عليه في المية ومية إلى أن تبيَّن في ما بعد عدم وجود قرار من الحزب للتفريط بالرجل بسبب سيطرته على المية ومية المنطقة الاستراتيجية المهمة بالنسبة إلى حزب الله نظراً لموقعها الجغرافي المطل على حارة صيدا وتلة مار الياس والجوار وباعتبار أنّ سيطرة حركة فتح عليها لن يشكل ضمانةً أمنية للحزب.
تقول المصادر الراصدة لتحركات الرجل إنَّ الصراع بدأ بين جناح الدولة الذي يريد إنهاء حالته الأمنية بعدما طفح كيل أعماله المخرّبة وبين الحزب الذي لم يؤمن بديلًا له يضمن أمن منطقته الحساسة خصوصًا وأنَّ مخيم عين الحلوة هو الشوكة الوحيدة التي لم يتمكن من اقتلاعها على بوابة الجنوب فلا يمكنه أن يزيد عليها شوكةً محتملةً أخرى.
الحوثيون في لبنان قبل الحوثيين في اليمن
حركة"أنصار الله" المقاومة الإسلامية وإن كان ثابتًا أنها مدعومةٌ ماليًا وعسكريًا من حزب الله في الأروقة المظلمة داخل الساحة الفلسطينية إلا أنَّ الأمر ظهر على الساحة اللبنانية بعد العقبات التي وضعها الحزب علنًا للحؤول دون إنهاء حالتها، رغم صدور القرار من العاصمة المركزية لحركة فتح في رام الله وموافقة الجيش بل ودعمه القرار.
ولا يمكن الاستخلاص من كبح عملية إنهاء حالة جمال سليمان إلا نتيجة واحدة وهي بأنَّ "أنصار الله" في لبنان هم ك"أنصار الله" في اليمن، فهؤلاء ذراع الحزب هنا وأولٰئك ذراع إيران هناك.
أما التطابق بين التنظيمين فليس محصورًا بالتسمية فقط، بل بالشعارات "الجهادية" وبطريقة التنظيم والترتيب والغموض وفرض الشروط والوجود السياسيّ المفروض بالدم لذا يصحّ وصف جماعة جمال سليمان بالحوثيين الفلسطينيين داخل مخيمات لبنان حتى ولو أنهم تأسسوا قبل الحوثيين الأصليين بسنوات، وحتى لو لم يعتنقوا "مذهب التشيّع" بعد.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها