خرج الجميع في طرابلس خاسراً بإستثناء الوزير أشرف ريفي الذي افتتح عهداً جديداً، وعبّد طريقه السياسية للتحول إلى رقم في المعادلة اللبنانية، وزعامة طرابلسية تتطلع إلى مزيد. خرج "المستقبل" تحديداً بما يمكن وصفه بأنه أكبر تحول سياسي- شعبي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن، في حلبة الخاسرين، هناك خاسرين كثراً.
من بين هؤلاء وربما أولهم، رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، الذي دخل الحياة السياسية في العام 1998 من البوابة الوزارية، وبعدها بعامين دخل حلبة الندوة البرلمانية، في تحالف عريض ضمه إلى "التكتل الطرابلسي"، والنائب سليمان فرنجية، والنائب بطرس حرب، وغيرهما من الوجوه الشمالية، بما أن القانون الذي جرت وفقه الانتخابات ضم طرابلس إلى زغرتا والبترون والكورة والمنية.
منذ 16 عاماً لم تختبر قدرة ميقاتي الفعلية في أي انتخابات. ظل منذ العام 2000 رقماً غامضاً وحاضراً في المعادلة، خصوصاً أنه لم يخض انتخابات العام 2005 النيابية، بعد تسوية قضت برئاسته حكومة مهمتها الوحيدة إجراء الانتخابات النيابية بحيادية مطلقة.
منذ 16 عاماً مر لبنان بتحولات مزلزلة، من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولاً إلى الأزمة السورية وانعكاساتها على طرابلس تحديداً، عبر جولات الإقتتال المتنقلة بين جبل محسن وباب التبانة. تحولات كانت كافية لخلط الأوراق السياسية وتبدل المزاج العام الطرابلسي.
بعدما قبل ميقاتي تأليف الحكومة التي تلت الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري، كان يردد البعض في "تيار المستقبل" أن ميقاتي نجح في لائحة "المستقبل" في العام 2009. قرأ "المستقبل" وقتها جيداً لغة الأرقام وما نالته اللوائح في العام 2005 في طرابلس، وما نالته في العام 2009، وكان ثمة رأي عام يشير إلى أن الحالة الميقاتية في المدينة مضخمة.
وعندما كُسرت الجرة بين ميقاتي وبين الحريري، أطلق الأول ما يشبه حالة استنفار طرابلسية، لتأكيد أنه الرقم الأصعب. يقول البعض في طرابلس إن المرحلة الماضية الممتدة من العام 2011 إلى العام 2016، شكلت صلب العمل السياسي والإنمائي لميقاتي، وكان يتحضر للتوسع والإنتقال إلى خارج المدينة وتحديداً إلى عكار والمنية والضنية، لكن أرقام صناديق الأقتراع أعادته مرغماً إلى أحياء المدينة.
خلال السنوات الخمس الماضية، تبوأ ميقاتي رئاسة حكومة كاملة المواصفات، بما أن حكومة 2005 كانت بمهمة وحيدة ولفترة انتقالية لا تتعدى الأشهر. ضمت في عدادها خمسة وزراء من عاصمة الشمال، وفشلوا مجتمعين في تحقيق نقلة نوعية في المدينة، التي افتتحت فيها جولات من العنف بين التبانة وجبل محسن، لم تشهدها منذ الحرب الأهلية.
بعد الحكومة انصرف ميقاتي إلى مدينة طرابلس، يقول البعض إنه صرف الملايين هناك، في محاولة منه لتأكيد زعامته. ساعده في ذلك انكفاء "المستقبل" الواضح والصريح نتيجة الأزمة المالية، ونجح في تسويق نفسه سعودياً، وتالياً حريرياً، بأنه الرقم الأقوى في المدينة. وهذا تحديداً ما منحه حق تقرير المصير في لائحة "لطرابلس"، فسمى رئيسها، ونال حصة وازنة من أعضائها.
انتهت الانتخابات. الأنظار الآن تتوجه إلى المرحلة المقبلة وما ستفرزه هذه النتائج من واقع جديد. في قراءة تبدأ من العاصمة السعودية الرياض، تحول ريفي إلى الرقم الأقوى في المدينة، ذلك يفرض لزاماً عليها أن تتعاطى معه وفق هذه النظرة، خصوصاً أن لا عداء بينه وبين القيادة السعودية، بل على العكس ثمة في "المستقبل" مَن يتهم بعض الوجوه السعودية برعاية الحالة "الريفية"، ويتم الاستشهاد بزيارته الأخيرة، وما يقال عن تمويل حصل عليه.
وإن كان ريفي أصبح محط الأنظار السعودية، إلا أن الحريري، وبغض النظر عن التراجع الذي أكدته صناديق الإقتراع، رقم سني أول لدى المملكة، وبالتالي قد ينتظر ميقاتي طويلاً بعد اليوم للحصول على موعد لزيارتها، أو حتى لتكرار المشهد الجامع في السراي الحكومي أو في منزل السفير علي عواض عسيري، خصوصاً أن ما نتج في طرابلس كاف لإخراج ميقاتي من الحسابات السعودية.
ما يضاعف أزمة ميقاتي، يمكن تلخيصه في المشروع السياسي الذي يجمع الحريري وريفي. يقول البعض في المدينة إن من جمع ميقاتي والحريري، قادر على جمع ريفي والحريري، خصوصاً أن ما يجمعهما أكثر بكثير مما يجمعهما بميقاتي. ويحضر، في هذا السياق، خطاب ريفي بعد إعلان الفوز، الذي تبنى فيه نهج "الحريرية السياسية".
في قراءة سريعة للمشهد السياسي في طرابلس، ورغم أهمية العامل المادي في المدينة الفقيرة، إلا أن الجو العام، يبدو قد أكد ثوابت سياسية رئيسية، يمثلها ريفي اليوم نهجاً وتطبيقاً، فيما يمثلها الحريري نهجاً فقط. وفي إنتظار ما ستكون عليه الحال لدى "المستقبل" الذي بدأ مراجعة شاملة، سيكون لزاماً على ميقاتي إجراء مراجعة أعمق، لكل ما صرفه، ولكل ما قدمه سياسياً، منذ العام 1998، بعيداً من محاولة "تمييع" الموقف.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها