تعكف دوائر "تيار المستقبل"، منذ انتهاء جلسة الحوار الماضية، على دراسة مقترح رئيس مجلس النواب نبيه بري. التصور الأولي يشير إلى أن أحداً في التيار لا يمانع اللجوء إلى خيار إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، رغم إرفاق تعبير "ولكن" دوماً في سياق شرح الموقف.
لكن هذه تتمحور حول التنازل المطلوب من "المستقبل". منذ الشغور الرئاسي رفع قيادات التيار شعار الإلتزام بالدستور، الذي يقرأ من قبلهم وفق أولويات واضحة، تبدأ من رأس الهرم من أجل إعادة تشكيل السلطة لاحقاً، وخوفاً من السقوط في شرك الفراغ الكامل، بما أن إجراء أي انتخابات نيابية، يعني حل السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، وتعليقهما في إنتظار إجراء العملية الديمقراطية.
يعتبر "المستقبل" أن لا فرق بين "قانون الستين" والقانون المختلط بين النظام الأكثري والنسبي. حسابات ماكينة التيار تؤكد أن القانون الأول قادر على تحقيق وزن نيابي مماثل للحصة الحالية، فيما يؤمن الثاني، الذي اتفق عليه مع "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، للتيار كتلة تفوق أو تقل بمعدل مقعد أو إثنين عن الحجم الحالي لكتلته.
تفرز حسابات "المستقبل" واقعاً يطمئن بيت الوسط لجهة مصير أي استحقاق مقبل، خصوصاً أن النقاش في اللجان النيابية يتركز على القانون المختلط، الذي في أسوأ الأحوال يمكن إدخال تعديلات طفيفة عليه لا تضر "المستقبل"، بما أن القانون المشابه الذي قدمه بري سابقاً، على سبيل المثال، يختلف في شق حجم دوائر جبل لبنان، لجهة ضم بعبدا إلى أقضية جبل لبنان الشمالي أو أقضية جبل لبنان الجنوبي، ووسط هذا الخلاف يقف التيار متفرجاً بما أن لا حسابات أساسية له في جبل لبنان.
يعتقد "المستقبل" أن أزمة قانون الانتخاب في ملعب الأفرقاء المسيحيين، وخصوصاً ثنائي "تفاهم معراب"، الذي بات محرجاً بين "قانون الستين"، الذي أعاد بري طرحه بوصفه مخرجاً في حال عدم التوافق، خصوصاً أنه يلقى استياءً مسيحياً عارماً، وبين قانون مختلط لا يؤدي بحسابات الورقة والقلم إلى واقع يختلف كثيراً عن الحالي.
ينطلق "المستقبل" في قراءة الأزمة المسيحية من محاولة رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون إعادة رفع شعار قانون "اللقاء الأرثوذكسي"، بعدما أدرك أن إجراء الانتخابات النيابية، إذا تم التوافق عليه، لن يؤمن للجنرال أي إعادة خلط للأوراق نيابياً تسمح بوصوله إلى بعبدا، بما أن مبادرة بري تلحظ وعداً بإجراء الانتخابات الرئاسية فوراً، ومشاركة الجميع في أول جلسة بعد اتمام العملية الانتخابية.
قلق "المستقبل" من عودة عون إلى طرج "الأرثوذكسي" يستند إلى قلق ثانٍ من أن تتقدم "القوات اللبنانية" في اتجاه خطوة مماثلة، لإعادة خلط الأوراق، خصوصاً أن القانون المختلط تم التوافق عليه في مرحلة سياسية سابقة، ولم تعد المعطيات بعد "تفاهم معراب" والخلاف مع تيار "المستقبل"، تصب في مصلحة "تكبير" حصة "القوات" النيابية، بما أن هذا القانون يلزمها العودة مجبرة إلى حضن "المستقبل".
يعتقد كثيرون في "المستقبل" أن نبرة "الأرثوذكسي" عائدة لا محال، وهو ما قد يطيح مبادرة بري، خصوصاً أن هذا الطرح يستفذ أغلبية الأحزاب والتيارات السياسية، ومن ضمنها "حزب الله" و"أمل" و"الإشتراكي"، إضافة إلى الأحزاب العلمانية الأخرى، وحتى المجتمع المدني.
هذه القراءة تصب حكماً في نظر "المستقبل" في خانة محاولة "تطيير" مبادرة بري أو بالأحرى بند التوافق على قانون انتخابات، وبند إجراء الانتخابات وفق "الستين" في حال عدم التوافق، وبالتالي الإنتقال إلى البند الثالث وهو "الذهاب إلى دوحة جديد للتوافق على الملفات العالقة من الرئاسة إلى قانون الانتخاب إلى الحكومة إلى الحوار".
يصبغ "المستقبل" على كل هذه "الجلبة" تعبير مضيعة الوقت، خصوصاً أن "الدوحة الجديد" سيحاول عبرها البعض مساومة التيار برئاسة الحكومة، وهو ما يرفضه بما أن ذلك يعتبر ضرباً للعملية الديمقراطية، وتقيداً لها ولأي رئيس منتخب، وأي حكومة مشكلة.
وفي إنتظار موعد جلسة الحوار المقبلة في 21 حزيران، يعكف "المستقبل" على إعداد قراءة "براغماتية" لمبادرة بري، تؤكد أولاً ضرورة التزام الدستور، وثانياً انفتاح "المستقبل" على إجراء الانتخابات وفق القانون المختلط أو "قانون الستين". لكن هذه "البراغماتية" تصطدم بما أبلغه التيار علناً وسراً إلى بري ومفاده أن القلق ينحصر في "حزب الله"، خصوصاً أن قرار انتخاب الرئيس يتعداه إلى إيران، وبالتالي حل مجلس النواب والحكومة، دونه خطر التعنت الإيراني.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها