قبل ساعات من فتح صناديق الإقتراع أنجز تيار "المستقبل" المطلوب منه لوجستياً. الماكينة حاضرة وجاهزة، وعلى رأسها النائب بهية الحريري تقودها للمرة الثامنة منذ العام 1992 تاريخ فوزها للمرة الأولى بعضوية مجلس النواب.
في ساحة النجمة يمكن ملاحظة حضور "المستقبل". هنا، يبدو الجميع احترف اللعبة الانتخابية، مستعملين أسلوباً جيداً للتسويق، إما غمزاً على الوتر العاطفي– السياسي، أو عبر الوتر الإنمائي الذي يعزف عليه رئيس البلدية محمد السعودي.
بين منزل شفيق الحريري، شقيق رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، ودارة مجدليون، أديرت المعركة. منذ ساعات الصباح الأولى استنفر كل من في "المستقبل" للمعركة في مدينة "الرئيس الشهيد رفيق الحريري"، كما يشير نصب مرتفع عند إحدى مداخلها. الهزيمة غير واردة بالنسبة إلى قيادات "المستقبل"، لكن المطلوب أرقام مشابهة لأرقام دورة العام 2010 (بلغت نسبة المشاركة 56 %)، لتأكيد متانة التيار واستمراريته، وللرد على صفعة بيروت وأرقامها الهزيلة.
الهم الوحيد في مجدليون وفي منزل شفيق الحريري كان أمنياً بإمتياز. أبلغت الحريري الأجهزة الأمنية قبل أيام بضرورة الحزم الأمني، لطمأنة الناخبين، وتواصلت مع عدد من العائلات لتؤكد أن اليوم الانتخابي "لن يشهد أي ضربة كف"، خصوصاً أنها تدرك طبيعة الصيداويين، وأن أي خلل أمني يمكن أن يلزمهم بيوتهم.
لم تكتف الحريري بوعود الأجهزة الأمنية، التي انتشرت بكثافة في أحياء المدينة، وعند أبواب مراكز الاقتراع، ومداخل مخيم عين الحلوة. تواصلت أيضاً مع الفصائل الفلسطينية التي اتخذت عبر القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة إجراءات مشددة على مداخل المخيم وداخله، خصوصاً أن منطقة تعمير عين الحلوة، التي أقيم فيها مهرجان إنتخابي للائحة "إنماء صيدا" التي يرأسها السعودي تعتبر خزاناً للأصوات.
اللافت، أنها للمرة الأولى تجري الانتخابات من دون اشكالات بين أنصار الحريري وأنصار "التنظيم الشعبي الناصري"، خصوصاً أن مرحلة ما بعد معركة عبرا شهدت حواراً مفتوحاً بينهما.
كل هذه الإجراءات التي حاولت الحريري استباقها، حاول البعض ضربها، بعد أن عثرت القوى الامنية على جسم غريب بالقرب من متوسطة الشهيد معروف سعد، تبين لاحقاً أنها عبوة وهمية.
الشق الأمني هذا تحول في مجدليون إلى أولوية، وفق مصادر "التيار" في المدينة، خصوصاً أن المعركة بدت محسومة لمصلحة "المستقبل" وخصومه على حد سواء. وهذه التوقعات هي فعلياً التي دفعت أسامة سعد للتصعيد خطابياً ضد "المستقبل"، متهماً اياه بإستخدام المال السياسي، ما دفع الرئيس فؤاد السنيورة إلى الرد.
بالقرب من قوارب الصياديين في صيدا، يمكن تلمس المزاج العام. الفئة الشعبية التي قتل معروف سعد خلال تظاهرة داعمة لحقوقها في العام 1975 تنتظر بفارغ الصبر تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع المرفأ التجاري، ليتحول بعدها المرفأ الحالي، إلى مرفأ لهم. حتى هذه الفئة التي كانت تعتبر خط الدفاع الأول عن "التنظيم" نجح السعودي في اختراقها.
شيئاً في لغة الأرقام لن يتغير، وفق ما تردد مصادر "المستقبل" و"التنظيم" على حد سواء، بإستثناءات طفيفة. انطلق سعد في معركة قياس حجمه بعد ست سنوات، من ناخبي الطوائف غير السنية في المدينة (نحو 9 آلاف ناخب متوقع أن يقترع نصفهم، مقابل 51 ألف ناخب من الطائفة السنية)، خصوصاً أنه خلال الأعوام الستة الماضية فقد ورقة البلدية للمرة الأولى، وبالتالي ورقة الإنماء، ونجح "المستقبل" عبر السعودي في استغلالها للحد الأقصى.
لا يعني المشهد الصيداوي أن "المستقبل" على قوته منذ العام 2010. بعض الملفات ظلت تؤرقه، قبل ساعات من فتح صناديق الأقتراع، خصوصاً الفئة التي باتت تعرف بالمصروفين من شركة "سعودي أوجيه".
في إحدى ساحات المدينة التي رفع فيها صورة عملاقة لأحمد الحريري مزيلة بـ"لعيونك"، يمكن فهم الخطاب العام في المدينة، الذي يحمل سعد الحريري بعض المسؤولية عن كثير من الملفات السياسية والمالية، ويفصل بينه وبين مجدليون.
هذه القراءة تحديداً هي التي دفعت الحريري إلى الغاء أو تأجيل زيارته إلى المدينة، خوفاً من نتائج عكسية قد تنتجها، رغم أن النائب الحريري أكدت بعد اقتراعها أن ابن أخيها سيزور المدينة و"لا شيء يمنعه من زيارتها".
وجود لائحة "أحرار صيدا"، التي لم تقدم سوى خطاب المظلومية مستندة الى أحمد الأسير، لم يزعج "المستقبل". الموقف منها بدا معمماً حتى ضمن "التنظيم"، وكذلك "حزب الله" وحركة "أمل"، رغم أن حظوظها مستحيلة، إلا أن هدف الجميع كان في منع حيازتها على نسبة مرتفعة من الأصوات، لمنع تصوير المدينة على أنها بيئة "أسيرية"، خصوصاً أن عمار لم يخفِ هذا الهدف عندما تحدث عن اثبات الحالة الإسلامية نفسها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها