كي لا ننسى ، تزداد قدرة العالم على فرض حلول خارجية للصراعات ، بقدر ما تكون إمكانية حلها داخليا ضعيفة أو معدومة ، وتكون الأطراف المنخرطة فيها عاجزة عن بلوغ أوضاع تسمح بحلها من خلال قواها الذاتية . عندئذ، تبرز الحاجة إلى تدخل خارجي يحل مشكلتها، لكن هذا نادرا ما ينطلق من تلبية مصالح الداخل.
عندما يكون هناك طرفان دوليان يتصارعان ضمن أوضاع تسمح بتعادلهما ، وتكون الأطراف الداخلية المرتبطة بهما ضعيفة ، فإن الحلول المطروحة لا تراعي مصالح الأطراف الداخلية، التي تكون الجهة التي تدفع ثمنها، بما أنها تركز على حتمية أن تقدم هي ما يرغمها المتصارعان الدوليان على تقديمه : التنازلات المطلوبة للحل .
أما إذا كان الطرفان الخارجيان المتصارعان متعادلين ، وكان حليف أحدهما قوي، فإن الطرف الخارجي المتحالف معه يستخدم قوته للتغلب على خصمه الدولي . عندئذ يغدو مصير الطرف الداخلي الأضعف مرتبطا بخيارات وسياسات حليفه الخارجي، فإن كانت أوضاعهما الداخلية سيئة ، كما هو وضع المعارضة السورية وأميركا، وكان الحليف الدولي مترددا ، كما هي حال أميركا ، فإنه لا يبق أمامهما غير رفض الحلول التي يقدمها الطرف الآخر، أو تقوية موقفهما الداخلي وعلاقاتهما الثنائية، أو الانسحاب من الصراع ، وأخيرا، ربط مواقف الحليف الدولي برهانات خارجة عن الصراع ، تكون جزءا من نسق صراعي آخر يخرج بواسطته من الاستعصاء الناجم عن ضعف حليفه وقوة خصميه، إلى أن يبلغ قدرا من التوازن يجعل وضعه معادلا لوضعهما ، أو التفوق الذي يرجح كفته على كفتهما ، دون أن يتخلى غالبا عن الرغبة في تسوية تقوم على حل وسط يضمن مصالحه ويضع حدا للصراع .
لا تعمل المعارضة السورية وأميركا لتغيير وضعيهما الداخليين وعلاقاتهما الثنائية، ولا تنسحب واشنطن من الصراع ، بل هي تدرجه أكثر فأكثر في حاضنة مغايرة له ، تجعل حله الداخلي وربما الدولي صعبا إلى حد الاستحالة ، ما لم تغير المعارضة أوضاعها بصورة تمكنها من امتلاك قوة معادلة لما لدى النظام أو متفوقة، يرى حليفها الدولي فيها سببا لتطوير سياساته، خاصة إن بدأ الداخل يلعب دورا مؤثرا في الصراع ، يجبر الأطراف الأخرى ، بما فيها المعادية له ، على تغيير مواقفها أو تعديلها، بينما يدفع حليفه إلى بلوورة حل يلبي مصالحه ، يكون على حساب خصميه.
ثمة بعد دولي لأي إصلاح يطاول أوضاع الائتلاف والمعارضة الداخلية على صعيديها السياسي والعسكري، ويكاد يكون من المؤكد أنه لن يطرأ أي تبدل في المواقف الدولية وسيستمر تدهور المعارضة المتعاظم دون حدوث إصلاح كهذا . هذا الجانب من الأمور غاب لفترة جد طويلة عن أنظارنا وحساباتنا، رغم أن غيابه كان حجة سوغ بواسطتها أصدقاؤنا ما يبدونه من تردد وتحفظ في دعمنا ،وأعداؤنا من يظهرونه من استهان بنا . لا تشجع أوضاعنا الذاتية حلفاءنا على تطوير مواقفهم، ولا تثير لدى رأيهم العام الثقة في أننا نستحق المزيد من دعمهم ، وأننا نمسك فعلا بالأرض ونقرر نوع علاقات قواها الميدانية عسكريا وسياسيا ، وفي أن إدراج ثورتنا ضمن أنساق صراع أخرى سيضر بمصالحهم ومن الخير لهم الامتناع عنه .
هذا البعد الدولي لوضعنا الداخلي لا يجوز أن يغيب من الآن فصاعدا ولو للحظة واحدة عن أعيننا، بعد أن أوصل الرهان على الخارج الائتلاف إلى مرحلة الإفلاس، وصار مصيره مرتبطا باستعادة ثقة الشعب بوجوده ، وبتقوية أوضاعه ليتحول إلى مؤسسة عمل وطني تجعل أي حل مستحيلا على حسابه قضية شعبها وحريته، ويتجاوز بأقل قدر من الخسائر مرحلة أخذت تجتاح المنطقة ، تلوح اليوم علاماتها الأولى انطلاقا مما شرع يجري من تطور فائق الخطورة في العراق، تتطلب مواجهتنا له ليس فقط وضعا ذاتيا وداخليا غير قابل للاختراق والكسر ، وإنما كذلك إعادة نظر جذرية في حساباتنا جميعها ، كي لا تضيع سورية إلى الأبد وتذروا رمادها العواصف التي يرجح أن تقلب المنطقة رأسا على عقب ، وتعيد إنتاجها بصورة لن تكون في صالحنا إن بقينا غافلين عن أنفسنا ، عاجزين عن تعبئة طاقاتنا الذاتية ، سادرين في غينا ، غارقين في التافه من مشكلاتنا: الصغيرة والشخصية !.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث