الأربعاء 2024/09/04

آخر تحديث: 12:44 (بيروت)

مصر في الصومال: بيدق على طاولة مزدحمة

الأربعاء 2024/09/04
مصر في الصومال: بيدق على طاولة مزدحمة
الرئيسان عبد الفتاح السيسي وحسن شيخ محمود (Getty)
increase حجم الخط decrease
تصل مصر متأخرة إلى الصومال. يعلن البلدان ترقية التعاون العسكري بينهما، بالإضافة إلى تصريحات رسمية تشير إلى جهوزية القاهرة للمساهمة بشكل كبير في قوات بعثة الاتحاد الإفريقي المؤقتة في الصومال، عند تجديد مهمتها والتي ستنتهي بنهاية العام الجاري. هذا غير تلميحات إلى إمكانية حضور عسكري مصري على الأراضي الصومالية خارج الإطار الأفريقي. ورسائل التقارب المصري الصومالي هذه، موجهة إلى إثيوبيا بالأساس، من جهة مقديشو، اعتراضاً على الاعتراف الإثيوبي بدولة صومالي لاند مقابل نفاذ إثيوبي إلى سواحلها. أما من جهة القاهرة، فالرسالة تتعلق بالعناد الإثيوبي بخصوص سد النهضة.

وسائل الإعلام المصرية الموالية للنظام، ومؤيدوه في شبكات التواصل الاجتماعي، يحتفون بالأخبار، باعتبارها حسماً عسكرياً لمعضلة سد النهضة المعلّقة. بلا شك، خاضت الدبلوماسية المصرية المفاوضات مع الطرف الإثيوبي من موقف ضعف، ضعف وجودي بلا مبالغة، فإثيوبيا إحدى دول المنبع لنهر النيل، أما مصر فهي دولة المصب. وبينما تساهم الأولى الغنية مائياً بالحصة الأكبر من مياه النيل، تستفيد الثانية، المتأرجحة على خط الفقر المائي، من الحصة الأكبر من أطول أنهار إفريقيا. إضافة إلى تلك الهشاشة الجغرافية، لم تملك مصر، المأزومة اقتصادياً والمتراجعة دبلوماسياً، أوراقاً للضغط على أديس أبابا، ولا لإغرائها. أما الوساطات والضغوط من القوى الدولية، فجاءت بنتائج عكسية، فكانت إما بنصف قلب وذات طابع بروتوكولي، أو أثارت حفيظة الإثيوبيين ورسخت اتهامهم للقاهرة بالسلوك الاستعماري المتعالي تجاههم. ذلك الاتهام المستند تاريخياً إلى الحملات الخديوية على الحبشة في القرن التاسع عشر، وحربين متواليتين بين البلدين، وبينهما احتلال مصري قصير العمر لأجزاء من شمال البلاد.

والحال إن التلميح بوجود عسكري مصري على الحدود الإثيوبية، يمنح القاهرة أخيراً ورقة للضغط في ملف النيل، وإن كانت لا تزال رمزية. لكن ينبغي التساؤل إن كان من شأن تلك الخطوة أن تحسّن بالفعل فُرص مصر التفاوضية أم لا. من جهة أديس أبابا، وبفعل التحركات الأخيرة، يترسخ موقع مشروع سد النهضة في سردية النظام الأثيوبي بوصفه مشروع استقلال وطنياً ومشروع سيادة وطنية، لا مجرد مشروع هندسي هائل ذي منافع اقتصادية كبيرة.

بالإضافة إلى مشاريع الداخل، لدى أديس أبابا مشروع إقليمي طموح أكثر من اللازم، تسعى من خلاله للقيام بدور شرطي القرن الأفريقي. وفي هذا السياق، تحظى إثيوبيا بحضور عسكري على الأراضي الصومالية قوامه ثلاثة آلاف جندي، ضمن البعثة الأفريقية، بالإضافة إلى قوة من خمسة إلى ثمانية آلاف جندي ضمن اتفاق ثنائي بين البلدين. ومارست أديس أبابا، من خلال هذا الحضور، تأثيراً سياسياً مُعتبراً على العملية الانتقالية في الصومال. لذا، فإن التلويح بحلول القوات المصرية، بدلاً من القوات الأثيوبية في بعثة الاتحاد الإفريقي، يُعدّ خصماً من حظوظ النفوذ الإثيوبي في الإقليم.

إلا أن ما قد يشكل تحدياً مؤرقاً للقاهرة في الصومال، ليس الاحتجاج الأثيوبي. فمالياً، لا تملك الموازنة المصرية المنهكة بالديون والعاجزة عن سد الحد الأدنى من الاحتياجات المحلية، رفاهية تمويل حضور عسكري مؤثر وطويل المدى وراء البحار. من الناحية العملياتية، اتضح من الحرب الأهلية الدائرة في السودان الجارة، ذات الحدود البرية الطولية مع المصر، مدى محدودية التأثير المصري في سَير المعارك أو حتى في مجال مفاوضات التهدئة. ولعل واقعة أسر قوات التدخل السريع للقوة المصرية في مطار مروي السوداني، في أبريل/نيسان من العام الماضي، واستعراض أفرادها وهم مجرّدين من السلاح، كانت تعبيراً بليغاً عن قصر الذراع العسكرية المصرية في دول الجوار المباشر.

علاوة على ذلك، تفد القاهرة أخيراً، إلى شبكة معقدة من التحالفات والتنافسات الإقليمية والدولية في القرن الأفريقي. فبالإضافة إلى القواعد العسكرية التركية والإماراتية على الأراضي الصومالية، والتمويلات القطرية والسعودية لعمليات تدريب وتجهيز القوات المسلحة الصومالية، فهناك قوات من خمس دول من شرق إفريقيا، هي إثيوبيا وبورندي وأوغندا وجيبوتي وكينيا، تحت مظلة الاتحاد الإفريقي. وكذا تحظي إريتريا بدور فعال في تدريب القوات الصومالية على أراضيها. وفي فبراير/شباط من العام الجاري، كشفت الولايات المتحدة توسيع حضورها العسكري في البلاد، بعد الإعلان عن توقيع اتفاقية مع حكومة مقديشو لإنشاء خمس قواعد عسكرية في أنحاء الصومال.

وعلى تلك الطاولة المزدحمة بالبيادق، يصعب تصور أن القاهرة ستكون مطلقة اليد في تحركاتها في الصومال، حتى لو توافرت لديها الإمكانات والإرادة السياسية. تظل الخطوات المصرية-الصومالية خطوات رمزية، أو للدقة، هي تحركات دبلوماسية تلوح بالسلاح من بعيد. وعلى الأغلب لن يدفع الحضور المصري الرمزي في الجوار، خصوصاً بعد إكمال الملء الخامس لسد النهضة، إلا إلى مزيد من التعنت الإثيوبي، وتحمية نبرة التراشق الدبلوماسي بين البلدين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها