السبت 2024/08/31

آخر تحديث: 13:15 (بيروت)

"هوليوود غيت": طالبان في دورة مياه مُختلَطة الجنس

السبت 2024/08/31
"هوليوود غيت": طالبان في دورة مياه مُختلَطة الجنس
مَن يتفرج على مَن؟
increase حجم الخط decrease
ثمة مفارقة بين عنوان الفيلم الوثائقي "هوليوود غيت"، أميركي الوقع، وبين الصورة الإشهارية للفيلم، وهي المحتشدة بصفوف من عناصر "طالبان" الجالسين على مقاعد في عرض في الهواء الطلق. تلك المفارقة بين النصي والبصري عتبة توجز محتوى الفيلم وتكثفه، وبتحفيز من العنوان الهوليوودي، يتبادر السؤال: علامَ يتفرج هؤلاء؟ أو بالأحرى مَن يتفرج على مَن؟

في آب/أغسطس 2021، كان العالم يتابع مشاهد الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية من كابول. وبينما كان آلاف الأفغان يحاولون مغادرة البلاد، بأي طريقة ممكنة، نجح الصحافي والمخرج المصري المقيم في ألمانيا، إبراهيم نشأت، في الحصول على تصريح من حركة "طالبان" للدخول إلى أفغانستان، والبقاء لمدة عام يتتبع خلاله بكاميرته الملا منصور، قائد القوات الجوية الأفغانية المعين تواً حينها، وكذلك الطالب الشاب، مختار، المتقلّد رتبة الملازم المتواضعة، والراغب في التدرب على الطيران من أجل الانضمام إلى القوات الجوية للإمارة الإسلامية الوليدة.

يجري معظم التصوير في قاعدة السي آي إيه "هوليوود غيت"، التي هجرتها القوات الأميركية على عجل. يثير حضور نشأت وكاميراته، التوجس والاستنكار وأحياناً التهكم. ما الذي يفعله عنه؟ يسأل أحد الحضور. ويرد الملا منصور بإنه يقوم بتصوير وثائقي. وما هو الوثائقي؟ يسأل أحدهم. ويشرح الملا: مثل الفيلم لكن بأشخاص حقيقيين.


لكن إلى مدى يمكن للأشخاص أن يكونوا حقيقيين فعلاً طالما هم واعون لحضور الكاميرا ولكونهم أبطال فيلم قيد الإعداد؟ بأريحية شديدة، نشاهد مسؤولي طالبان المبتسمين وهم يتجولون في القاعدة الأميركية، ليتفحصوا مخازنها الممتلئة بالأسلحة والمعدات. خلّف الأميركيون وراءهم أدوية وثلاجات ممتلئة بزجاجات البيرة، ونرى دورة مياه كُتب عليها بالإنكليزية "مختلطة الجنس"، وصالة للألعاب الرياضية يجرب فيها الملا منصور بنفسه أحد أجهزة الجَري، بين ضحكات الحضور، ثم يطلب نقل واحد منها إلى منزله.

في أحد المَشاهد، يدخل مسؤولو طالبان مكتباً صغيراً، ويجد المكان في حالة من الفوضى، أجهزة الكومبيوتر محطمة وملقاة على الأرض، وبقايا وجبة طعام متروكة على المناضد. بأسى يعلق أحد الطالبانيين: "الحيوانات، حطموا كل شيء". لوهلة تنقلب الصورة السائدة، فالأميركيون يصيرون هم البرابرة، وما نشاهده أمامنا هو تحول طالبان الناعم والحاسم من ميليشيا إلى نظام حكم عسكري.

مَشاهد كثيرة في الفيلم تثير قهقهات عالية في صالة العرض، تارة لأن طالبان يتمتعون بخفة الدم، وتارة لأنهم مثيرون للسخرية. في مَشهد مربك، يتعثر المسؤولون عن إدارة القوات الجوية في إجراء عملية حسابية شديدة البساطة لحساب نفقات إدارية، حتى مع استخدامهم للآلة الحاسبة. وفي أكثر من مشهد مضحك، نرى الملا منصور وهو يقوم بجولاته الميدانية في القاعدة العسكرية، ويوجه مرؤوسيه مرة بعد أخرى إلى غرس بعض الأشجار هنا وبعض الزهور هناك. نسمع الملا وهو يحكي بابتسامة عريضة وهادئة عن قصف الأميركيين لقريته وقتلهم والده وعدداً كبيراً من أفراد عائلته وجيرانه.

أما الملازم مختار، فيشعر بالحزن لمغادرة الأميركيين، لأنه لم يعد قادراً على الانتقام منهم، ثأراً لأخيه الشهيد. يدرك صنّاع الفيلم مأزق التورط في صنع صورة مقبولة (إن لم تكن محببة) لطالبان، فتحاول الموسيقي التصويرية المتحفزة والمتوترة التغلب على هذا. وبشكل لحوح يشير نشأت، أكثر من مرة، في تعليقاته القليلة والموجزة، إلى المعاناة في الخارج والتي لم يستطيع تصويرها. فالنافذة المتاحة أمامه ضيقة جداً ومُهندسَة من قبل طالبان، وبالمثل حدود شاشة العرض أمامنا نحن المشاهدين.

يترك الأميركيون وراءهم سلاحاً تقدر قيمته بسبعة مليارات دولار. لا يُسمح لنشأت بتصوير الأسلحة، لكننا نشاهد الملا وهو يتفحص صفوف الطائرات النفاثة والمروحية الراقدة في ساحات القاعدة. اكتفى الأميركيون بقطع الأسلاك في محركات الطائرات، لكن سرعان ما يشرع فنيو الميكانيكا الأفغان في العمل على إصلاحها، وتفتتح إدارة طالبان فصولاً مكثفة لستة أشهر لإعداد طيارين جدد. وبحلول العيد الأول للاستقلال، نرى الطائرات وهي تحلق في استعراض عسكري يحضره دبلوماسيون من الصين وروسيا وإيران وباكستان. ترك الأميركيون كل ما يلزم لتغذيه الوحش، بما في ذلك خزانات ممتلئة بوقود الطائرات. أما عناصر طالبان، فسرعان ما يتبنون صورة محتليهم السابقين، الجنود يرتدون الملابس المموهة الأميركية بكل عدتها المنتفخة، فيما الاستعراضات تحاكي مارشات الجيوش النظامية، مع اختلاف وحيد أن كل الجنود ملتحين.


(*) يُعرض الفيلم حالياً في الصالات البريطانية


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها