برزت الصين مرات عديدة في خطابات المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية، أكان في الجانب الجمهوري أو الديموقراطي. إلا أن الانتخابات في الولايات المتحدة اليوم تشهد هجوماً شخصياً بين المرشحين، تُستخدم فيه الصين كفزّاعة للنيل من الآخر. على سبيل المثال، حملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب تستهدف صبغ صورة كاميلا هاريس، وتيم والتز المرشح لمنصب نائب الرئيس، بالشيوعية، وتستخدم الصين في ذلك.
كان والتز أستاذاً للغة الإنكليزية في الصين خلال الثمانينات، وشهد مجزرة تيانمين العام 1989، وتركت فيه أثراً، إذ كان ناشطاً في الحديث عن حقوق الناشطين في هونغ كونغ وضرورة الدفاع عنهم. رغم ذلك، يُحاول خصومه الجمهوريون استخدام إقامته في الصين للإشارة الى رابط ولاء، وفتحوا تحقيقاً في الكونغرس في ذلك، وتحديداً لأن والتز، رغم كلامه الحقوقي المستفز للصينيين، يؤكد أن واشنطن وبكين ليسا بالضرورة خصمَين أبديَين، وهناك مجالات للتعاون بينهما. سافر أكثر من ثلاثين مرة الى الصين وأمضى وقتاً فيها خلال عطلة شهر العسل للدلالة على عمق روابطه بالبلد وثقافته.
لا مكان للحقيقة والموضوعية في هذا السجال الانتخابي، وأي نصف معلومة يجد طريقه بسهولة الى الخطاب السياسي. هذه سمة يجب أن تُنسب لأثر ترامب في السياسة الأميركية، إذ بات مثل هذا الافتراء الأقرب للخرافة مقبولاً في الخطاب العام، وقد يُحقق فيه نقلة نوعية في حال انتخابه رئيساً بعد شهرين.
بالنسبة إلى ترامب، ستكون الصين سعيدة بانتخاب هاريس ونائبها. ذاك أن المرشح الجمهوري ذكَر الصين عشرات المرات في خطاباته على سبيل التهويل من خطر هذا البلد والسماح بتقدمه اقتصادياً ليصبح عملاقاً يتحدى التفوق الأميركي، ومن الصعب كبح جماحه. الصين مسؤولة عن فيروس الكورونا، وعن تبدل المناخ، وحتى عن تجارة المخدرات عبر الحدود الأميركية-المكسيكية. المشروع 2025 الذي يُعتقد بأن فريق ترامب يتبناه، يُركز بشكل كبير على مواجهة الصين وضرورة احتوائها كأولوية في السياسة الأميركية.
والحقيقة أن ترامب وضع عقبات أمام التجارة مع الصين، واصلت الإدارة الأميركية الحالية تطبيقها، وباتت ركناً من سياسة واشنطن. بالإمكان أن يُواصل المرشح الجمهوري هذه السياسة ويُطورها في حال انتخابه، لكن الهوامش هنا ضيقة نظراً إلى تشابك الاقتصاد العالمي واحتمال تأثر الأسعار بشكل سلبي. فرض المزيد من القيود على الصين، قد يضر بالشركات الأميركية وبالمستهلك أيضاً نظراً لاحتمال ارتفاع التضخم.
لكن التوتر حاصل، أكان في المحيط الهادئ حيث تُحاول الصين توسيع رقعة نفوذها وسط مضايقات من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة مثل اليابان والفيليبين... أو مع روسيا، التي تتهمها الإدارة الأميركية الحالية بتلقي مساعدات عسكرية من بكين كي تستمر في حربها على أوكرانيا المدعومة من الحلف الأطلسي.
في المقابل، تبرز الصين أيضاً في خطاب الديموقراطيين. الرئيس الحالي جو بايدن، قال في خطاب له، إن المخاوف من تفوق الصين على الولايات المتحدة، اندثرت بعد ولايته في الرئاسة، من دون أن يُوضح كيف حصل ذلك. المرشحة الديموقراطية كاميلا هاريس أيضاً تتحدث عن تراجع الصين وعدم قدرتها على منافسة الولايات المتحدة. لكن الفريق الديموقراطي لا يُركز بالقدر نفسه على الدور الصيني، بل يُحاول إيجاد توازن في ذلك، نظراً لوجوده في البيت الأبيض ودوره في إدارة العلاقة مع بكين.
المشكلة هنا أن هذه المنازلة بخرافاتها تجد طريقها الى السياسة، وقد تنعكس توتراً خصوصاً في حال فوز الجمهوريين. حينها، بإمكاننا أن نتوقع إجراءات كيدية لمخاطبة نقاش سياسي مبني على الأيديولوجيا الرافضة للآخر، لا الحقائق أو حتى الاستراتيجيات التي تخدم المصلحة الوطنية. هذا نمط من السياسة لا ينحصر في الولايات المتحدة، بل يشمل بقعاً تتسع في عالمنا.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها