السبت 2024/08/31

آخر تحديث: 19:45 (بيروت)

الصراع على خليفة المرشد

السبت 2024/08/31
الصراع على خليفة المرشد
شخصية المرشد الأعلى المقبل، يحددها نجاح مسعود بزشكيان أو فشله (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تصريح المرشد الأعلى الإيراني، منذ أيام، بشأن "التعامل مع العدو في بعض الحالات، لكن من دون عقد الآمال عليه"، رأى فيه الكثيرون إشارة إلى إستعداد إيران للتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن ما يسمى "الصفقة النووية". وتلقفت الإدارة الأميركية إشارة إيران، وأعلنت وزارة الخارجية أن الدبلوماسية هي السبيل الأفضل للحل الناجع والدائم للأزمة حول الصفقة. غير أن ممثل الخارجية الأميركية استدرك قائلاً "لكننا بعيدون من ذلك الآن، في ظل التصعيد الإيراني على كافة الجبهات، بما في ذلك التوترات النووية ورفض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، بشأن الصفقة في غزة، تجري منذ أشهر في سلطنة عُمان. لذا يستبعد المراقبون أن يكون خامنئي قد قصد بإشارته هذه، مبدأ المفاوضات بذاته مع الولايات المتحدة، بل يرون أنه يشير إلى المفاوضات بشأن "الصفقة النووية" بالذات. ومما يعزز هذا الرأي، أن خامنئي أدلى بتصريحه هذا في اللقاء مع الحكومة الأولى للرئيس الإيراني الجديد. والمهمة الرئيسية لهذه الحكومة هي خفض أعباء الأزمة الإقتصادية الإجتماعية، وهو ما يشترط خفض العقوبات بالعودة إلى "الصفقة النووية".

تشكيلة الحكومة بذاتها لا تشي بالجو الذي أوحى به كلام خامنئي عن الإنفتاح على التفاوض مع الولايات المتحدة والغرب بشأن الصفقة النووية والعقوبات. وقد أثارت هذه التشكيلة إنتقادات الإصلاحيين الإيرانيين للرئيس الجديد مسعود بزشكيان، المحسوب على فريقهم، ودفعت نائب الرئيس للشؤون الإسترايجية محمد جواد ظريف للإستقالة من منصبه، بعد عشرة أيام فقط من توليه. وأكثر ما أثار إستياء الإصلاحيين من بزشكيان وحكومته، هو تصريحه في البرلمان أثناء تقديم الوزراء بأن كافة الأسماء عُرضت مسبقاً على المرشد الأعلى، وعلى أجهزة المخابرات والحرس الثوري.

ورغم أن هذا العرف كان يسري على جميع الحكومات بعد ثورة الملالي، إلا أنها المرة الأولى التي يكشف فيها الرئيس علناً عن هذا العرف الذي كان الرياء يبقيه مستتراً. والكشف علناً عن هذا العرف، لم يكن هفوة من بزشكيان، بل تسلح به لمجابهة البرلمان المحافظ وضمان تصديقه على التشكيلة الحكومية، فتوجه للنواب بالقول "لا تضطروني لقول ما لا يجب أن أقوله هنا". فهو لا بد يدرك أن انتماءه الملتبس للإصلاحيين، وولاءه المعلن لخط الخميني، لن يضمن له رئاسة سلسة، بل مواجهة صعبة مع المحافظين، خصوصاً في يتعلق بالتقارب مع الغرب. والتشكيلة الحكومية التي عرضها على خامنئي والحرس الثوري والأجهزة الأمنية، ونالت موافقتهم وتصديق البرلمان عليها، لا تعد سوى بتفجر الخلافات بين صفوفها.

الشهرية الروسية المخضرمة interaffairs.ru الموزونة نشرت في 27 الجاري نصاً للمستشرق Vladimir Sajine تحدث فيه عن الرئيس الإيراني ومهمات حكومته ومشاكلها. ورأى المستشرق أن "مما لا شك فيه" أن خامنئي هو مهندس حكومة بزشكيان الأولى. ويقول أن مكتب خامنئي نشط مع النواب لتأمين منح الثقة لأعضاء الحكومة. وينقل عن المراقبين الإيرانيين اعتبارهم أن نتائج التصويت غير المسبوقة (كان قد نشر لائحة بنتائج تصويت البرلمان)، جاءت نتيجة إستخدام بزشكيان لنفوذ المرشد الأعلى، ولا تعكس ثقة البرلمان الحقيقية في الرئيس أو وزرائه، غير المعروف معظمهم إلا بعدما رشحهم الرئيس، "أو بالأحرى خامنئي".

يقول المستشرق أن بزشكيان لم يخف حقيقة حصوله على دعم المرشد الأعلى. وأعلن في البرلمان أن جميع الوزراء نالوا موافقة خامنئي. وتوجه إلى النواب قائلاً بلهجة حادة "لا تضطروني لقول ما لا يجب أن أقوله هنا. فقط إدلوا بأصواتكم، ودعونا نشكل الحكومة". وأضاف بأن وزير الثقافة عباس صالحي (محافظ معتدل) رفض في البداية الدخول في تشكيلة الحكومة، لكن خامنئي اتصل به هاتفياً واقترح عليه قبول الحقيبة.

قناة التلفزة الإسرائيلية التاسعة الناطفة بالروسية، نقلت في 25 الجاري عن مدونة البوليتولوغ الروسي المعروف، عباس غالياموف، نصاً استغرب فيه محاولات التستر على الدور المحوري للمرشد الأعلى في تشكيل الحكومات الإيرانية. وقال غالياموف بشأن تشكيل حكومة بزشكيان، أن الجميع، وكما العادة سابقاً، كان يعرف التشكيلة مسبقاً، "لكنه التزم الصمت خجلاً". ويشير إلى أن ما كان معروفاً ومسكوتاً عنه خجلاً في السابق، تم تثبيته رسمياً هذه المرة. وقال أن صدق الرئيس الجديد أثار غضب العديدين من المتشددين، ورأوا أن الرئيس، بتصريحه هذا، يحمّل المرشد الأعلى مسؤولية مباشرة عن نتائج عمل مجلس الوزراء.

يشير غالياموف إلى مقال "غاضب" نشره في 23 الجاري، حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة محافظة واسعة النفوذ، يطالب فيه بزشكيان بالتنصل من تصريحه. ويرى رئيس التحرير بأن المتربصين شراً بإيران حصلوا بتصريح الرئيس على حجة للتأكيد بأن الديموقراطية مفقودة في إيران.

ويخلص غالياموف إلى الإفتراض بأن مقالة شريعتمداري قد تشير إلى صراع يدور حول شخص المرشد الأعلى غير الملزم بالإعتماد على المحافظين فقط، بل قد يدخل في صفقة مع الإصلاحيين. وللحؤول دون هذه الصفقة، يحاول المحافظون الآن دق إسفين بين خامنئي وبزشكيان.

وكالة الأنباء الروسية iarex نقلت في 25 الجاري عن موقع Stratfor الأميركي إفتراضه بأن شخصية المرشد الأعلى المقبل، يحددها نجاح مسعود بزشكيان أو فشله. وقال الموقع، أنه في حال فشل السياسة الإقتصادية للرئيس بزشكيان، ستشهد إيران مرشداً أعلى أكثر تشدداً من الحالي. أما في حال نجاح سياسة الرئيس، فسيكون المرشد المقل نسخة عن الخميني، بل وأكثر إصلاحية. وفي هذه الحالة، يفترض الموقع أن القائد الأعلى الجديد قد يقدم على إنتاج سلاح نووي.

يقول الموقع الأميركي أن الغربيين يؤكدون أن ترشيح مسعود بزشكيان ونجاحه في الإنتخابات الرئاسية الإيرانية، هو مشروع خامنئي الشخصي الذي فاجأ الجميع. ويرى أن المرشحين الخمسة الآخرين كان بوسعهم التغلب على بزشكيان، لكنهم انسحبوا، أو بالأحرى تراجعوا.

بعد أن يتحدث الموقع الأميركي عن التوجه السياسي لكل من الوزراء الـ19 في الحكومة الإيرانية الجديدة، يصنفهم بين محافظين متشددين، محافظين معتدلين، مستقلين وإصلاحيين. ويقول أن مثل هذه التركيبة السياسية للوزارة، يعتبرونها في الغرب "هزيمة للإصلاحيين"، إذ لا تضم سوى أربعة منهم، وتفترض صراعاً سياياً داخل الحكومة.

ونقل الموقع عن بزشكيان تأكيده للبرلمان بأن جميع الوزراء المرشحين إقترحهم المرشد الأعلى. وأضاف بأن وزير الخارجية عباس عراقجي، كان أول من وافق عليه المرشد، وكل المرشحين الآخرين تم التنسيق بشأنهم مع الأمن والمخابرات، ووافق على ترشيحهم المرشد شخصياً.

موقع الخدمة الروسية في وكالة الأنباء الكردية، ومقرها أمستردام، نشر في 28 الجاري نصاً رأى فيه أن الإقتصاد الإيراني بحاجة إلى "الصفقة النووية". ويرى الموقع أن الرئيس الإيراني الجديد يعترف بأن تحسين العلاقات مع الغرب وخفض العقوبات، هو السبيل الوحيد لحل مشاكل الإقتصاد الإيراني. وحقيقة السماح له بالترشح والفوز في الإنتخابات الرئاسية، تشير إلى أن الممسكين الفعليين بالسلطة في إيران قد يوافقونه في ذلك. ودعم الإصلاحيين له لا يعني بالضرورة إعتباره في معسكرهم. ويرفض هو نفسه إلصاق هذه الصفة به، تماماً كما يرفض فكرة إعتبار رئاسته إمتداداً لعهد الرئيس المعتدل حسن روحاني. ويعتبر بزشكيان أن تحسين العلاقات مع الغرب وإنهاء العقوبات، ضرورة إستراتيجية لإيران.

يسترسل الموقع في الحديث عن المقارنة بين روحاني وبزشكيان وأزمة الإقتصاد الإيراني الخانقة، ويخلص إلى القول بأن إنتخاب بزشكيان يمكن إعتباره إشارة من القيادة الإيرانية إلى أنها معنية بخفض التوتر. وهذا يعني بروز إمكانية جديدة أمام الولايات المتحدة: إما إحياء "الصفقة النووية" التي انسحب منها ترامب، أو عقد صفقة نووية جديدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها