السبت 2024/07/13

آخر تحديث: 07:02 (بيروت)

زيارتان أسعدتا بوتين

السبت 2024/07/13
زيارتان أسعدتا بوتين
increase حجم الخط decrease

في أسبوع واحد إستقبل بوتين زائرين رسخا قناعته بصواب حربه الشاملة مع الغرب عبر أوكرانيا. في 5 الجاري إستقبل رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان، وفي 8 منه إستقبل رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي. الفرق شاسع في الأحجام والأهمية بين الهند الأكثر سكاناً والأكبر ديموقراطية في العالم، وهنغاريا الملايين العشرة من السكان والديموقراطية المشدودة إلى زمن البلشفية. مودي جاء موسكو ليؤكد إستقلالية الهند بين موسكو والغرب، وأوربان جاء ليؤكد دوره "حصان طروادة" الروسي في الإتحاد الأوروبي الذي يتولى رئاسة مجلسه حتى آخر العام. مودي كانت أول زيارة خارجية له بعد إنتخابه للمرة الثالثة قائداً للهند، ورفض دور الوسيط في الأزمة الأوكرانية، وأعلن من موسكو أنه مع الحل الدبلوماسي. أوربان كان أول مسؤول أوروبي يزور موسكو بعد ربيع 2022، ووصلها آتياً من كييف في مهمة وساطة استهجنها الإتحاد الأوروبي، وأكد أن لا علم له بها، وصدرت عنه دعوات لمعاقبة هنغاريا وانتزاع رئاسة المجلس منها.

أهمية الزيارتين بالنسبة للكرملين ـــ التأكيد على فشل سنوات من الجهود الغربية لإحكام العزلة على موسكو. وهو يدرك أن اللقاءات التي عقدها بوتين على مدى الشهرين المنصرمين بعد تسلم مهام رئاسته الخامسة مع قادة الصين وكوريا الشمالية وفيتنام وجمهوريات آسيا الوسطى وهنغاريا (قبل أن تتسلم رئاسة المجلس الأوروبي)، لم تكن كافية لتؤشر إلى فشل الجهود الغربية. موقع INOSMI في وكالة نوفوستي المتخصص بترجمة نصوص الإعلام العالمي إلى الروسية، نقل في 9 الجاري نص صحيفة The New York Times بشأن زيارة الزعيم الهندي. أشار كاتبا النص(Paul Sonne و Anupreeta Das ) في العنوان إلى أن زيارة مودي لموسكو تظهر "لنا" بوتين أقل عزلة، وهذا يثير غضب أوكرانيا. وقال الكاتبان في العنوان الثانوي للنص بأن من الأفضل للغرب أن لا يتحدث عن "عزلة" بوتين بعد زيارة مودي. 

رأى الكاتبان بأن الهند إستفادت كثيراً من توجه روسيا نحو الشرق نتيجة للعقوبات الغربية. ولذلك لم يرفض مودي زيارة روسيا على الرغم من ضغوط الغرب. ويسترسلان في عرض تفاصيل الجو الودي الذي حرص بوتين على إبرازه في محادثاته الطويلة مع ضيفه الهندي وجهاً لوجه في مقر رئاسي قرب موسكو، كان يعود يوماً لسلالة رومانوف الإمبراطورية الروسية. 

حرص الكاتبان على التوقف عند تفاصيل اللقاء الأول غير الرسمي بين بوتين ومودي، ليقولا أن الزيارة كانت حقيقة صادمة للغرب. فعلى الرغم من سعي الغرب لعزل روسيا بسبب الصراع مع أوكرانيا، تنتهج دول أخرى غير غربية تلك السياسة حيال موسكو التي تعكس مصالحها الخاصة. هذه الدول، ومن أجل مصالحها تلك، تساعد بوتين على تعزيز الإقتصاد الروسي ومواصلة الحرب. واشارا إلى تعليق الرئيس الأوكراني على عناق مودي الودي لبوتين بقوله أنه كان "خيبة أمل كبيرة، وضربة مدمّرة لجهود إحلال السلام". 

قال الكاتبان بأن المسؤولين والدبلوماسيين الغربيين لم يتمكنوا من إقناع الهند باتخاذ موقف علني ضد حرب بوتين في أوكرانيا. وعلى الرغم من تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، يتحاشى مودي إدانة السلوك الروسي، ويدعو إلى "حوار جماعي" مفضلاً الحفاظ على علاقات دافئة مع موسكو تعود إلى زمن الحرب الباردة. ونقلا عن نائب رئيس مؤسسة Carnegie  "من أجل السلام العالمي" Andrew Weiss قوله عن زيارة مودي بأنها مثال محزن "حقاً" على إحتفاظ روسيا بثقلها الجيوسياسي العالمي. 

يسترسل الكاتبان في الحديث عن تأكيد الزعيم الهندي عزمه على تطوير العلاقات مع كل من موسكو وواشنطن، لكن ليس على حساب استقلالية القرار الهندي. ويختتمان نصهما بإشارة إلى موقف المعارضة الهندية الرافض بشدة لزيارة مودي إلى روسيا. ويلفتان إلى أن الأحزاب الهندية في  صراعها على السلطة لم تأت يوماً على ذكر الصراع الروسي الأوكراني. 

وكالة نوفوستي تحدثت إلى باحث في قسم عمليات التكامل في معهد موسكو للعلاقات الدولية التابع للخارجية الروسية عن زيارة الزعيم الهندي إلى موسكو. تحدث الباحث أنور عظيموف كيف أقنعت موسكو ناريندرا مودي بزيارة روسيا بعد آخر زيارة له العام 2019. وقال بأن  توقف اللقاءات على مستوى القمة بين البلدين، جعل زيارة مودي إلى موسكو يومي 8 و 9 الجاري على أهمية سياسية كبيرة. فقد أكدت استقرار واستمرارية مسار السياسة الخارجية للبلدين نحو تطوير شراكة استراتيجية مميزة بشكل خاص، والأهم من ذلك، أكدت تركيز الجانبين على مواصلة التقارب الاستراتيجي.

أشار الباحث إلى أن روسيا هي التي بادرت إلى طرح فكرة عقد القمة الحالية، ولم توافق الهند على الفور على عقد القمة، بل بعد أن أقنعتها روسيا بضرورة عقدها. وتبلورت لدى الرئيس الروسي فكرة ضرورة عقد القمة بعد تواصله تقريباً مع جميع الدول الصديقة في "جنوب الأرض" التي تدعم الموقف الروسي بشأن "الأحداث" في أوكرانيا، أو تتخذ منها موقفاً محايداً. 

موقع الخدمة الروسية في BBC تحدث عن أسباب زيارة ناريندرا مودي لبوتين. أشار الموقع إلى أن زيارة مودي لموسكو هي الثالثة، ولم يسبقه إلى ذلك سوى رئيس وزراء الهند الأول بعد الإستقلال جواهر لال نهرو. وحسب ما ذكر الناطق بإسم الكرملين، لم يعرض مودي على بوتين التوسط في النزاع الأوكراني، بل اكتفى الزعيمان ب"تبادل الآراء" بشأنه، وولدت أثناء النقاش "أفكار جديدة" لم يفصح بيسكوف عن طبيعتها. 

صبيحة اليوم الأول للزيارة، كان القصف الروسي لأوكرانيا قد طاول مستشفى للأطفال في كييف. وكانت الفاجعة التي أودت بحياة 37 شخصاً قد دفعت الرئيس الأوكراني إلى التصريح على منصة X بأن رؤية زعيم أكبر ديموقراطية في العالم يعانق أكبر مجرم دموي في العالم، كانت... وقال الموقع بأن رد مودي على تصريح زيلينسكي جاء بقوله أن أي إنسان يشعر بالألم حين يسقط في الحرب بريئون، و"نحن نعتبر أن الصراعات لا يمكن أن تحل بالحرب، نحن مع حلها سلمياً، ونأمل بإحلال السلام سريعاً". 

قال الموقع أن تاريخاً حقيقياً طويلاً يقف وراء كلام بوتين ومودي عن الصداقة المزمنة بين موسكو ونيودلهي. وأشار إلى أن هذه العلاقات تقع في إطار مضلّع معقد بين بكين وواشنطن وإسلام آباد. ونقل عن وكالة  Bloomberg قولها في وصف العلاقات بين الهند والولايات المتحدة وروسيا، بأن الهند تحاول المحافظة على توازنها في السير على حبل مشدود بين روسيا والولايات المتحدة. ويشير الموقع إلى إحدى المحطات التاريخية في العلاقة بين الدول الثلاثة، وذلك أثناء الجولة الثالثة من الحرب بين الهند وباكستان، حيث وقفت الولايات المتحدة مع باكستان، والإتحاد السوفياتي مع الهند. ويقول الموقع بأن موسكو كانت تدعم نيودلهي خلال السنوات السبعين المنصرمة، واستخدمت حق الفيتو لصالح الهند في مجلس الأمن الدولي 5 مرات ضد القرارات المتعلقة بالصراعات بين الهند وباكستان. 

يقول الموقع أن التقارب الروسي الصيني يثير قلقاً جدياً لدى الهند في الفترة الأخيرة. وينقل عن الخبير في الشؤون الصينية في مركز Carnegie موسكو الذي يصدر في برلين Alexander Gabuev قوله بان من المحتمل أن لا تكون متوفرة الموارد لدى الهند لإبعاد روسيا عن الصين، لكن كان بودها أن تفعل ما يمكنها لكي لا تضع موسكو كل بيضها في سلة الصين. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها