كيف بإمكاننا الربط بين تسجيل جرائم القتل في صفوف عرب 48 نسبة ارتفاع قياسية (قتيل كل بضعة أيام نتيجة الجريمة المنظمة)، من جهة، وبين اتساع رقعة هجمات المستوطنين ضد قرى فلسطينية مثل حوارة في الضفة الغربية المحتلة لإنزال العقاب الجماعي على سكانها أو لارهابهم؟
الأكيد أن النتيجة مماثلة، وهي تعقيد ظروف العيش وحرمانها من أي استقرار. في الضفة الغربية، الهدف بغاية الوضوح، وهو إقدام مستوطنين ينخرطون في مشروع ديموغرافي جاؤوا بهدفه، على إرهاب فلسطينيين أمنياً وبدعم من الدولة، بعد اقتطاع أراضيهم. هنا يمتزج وضوح الفعل والدور والوظيفة، مع الخطاب السياسي الصاعد على اليمين الداعي لتهجير الفلسطينيين من الداخل والضفة، ويُمثله وزيرا الأمن الداخلي والمال الاسرائيليان بن غفير وسموتريتش.
في مقابل الوضوح على هذا المستوى، هناك سياسة أعمق بالداخل الإسرائيلي حيال المواطنين العرب. ليس طبيعياً أن تكون حُصة العرب، ويُمثلون 20-19 بالمئة من السكان، 70-73 بالمئة من مجمل جرائم القتل في البلاد. وكان معهد الأبحاث في الكنيست نشر بيانات منها أن حصيلة ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي بلغت عام 2021، 111، نصفهم من الشباب (تقل أعمارهم عن 30 عاماً)، وبينهم كذلك 16 امرأة، أما الآن، فانه سجلت 115 جريمة قتل منذ مطلع العام 2023 وحتى اليوم. الرقم كان 100 عام 2020 و93 عام 2019 و76 عام 2018 و72 عام 2017. الأرقام تُظهر ارتفاعاً ثابتاً في معدل الجرائم على مدى سنوات طويلة دون جهد حقيقي للجمها.
سياسات مختلفة تُعزز الاعتقاد بالدور الإسرائيلي الممنهج في توسيع رقعة الجريمة. أولاً، لا توجد إرادة إسرائيلية واضحة لوقف العنف. صحيح أن هناك خطوات شكلية مثل إنشاء وحدة خاصة لمكافحة هذه الآفة، لكن هناك مؤشرات متتالية إلى اهمال حتى تنفيذ مثل هذه المعالجات السطحية. مثلاً، المعهد عينه يشير الى فشل الشرطة في تفكيك 80 بالمئة من الجرائم في المجتمعات العربية مقابل 30 بالمئة لم تجد طريقها للحل في المجتمع اليهودي، وهذه هوة شاسعة ترتبط على الأرجح بعدم اكتراث السلطات، وليس بذكاء مرتكبي الجرائم بالمناطق العربية، أو بمؤامرة خبيثة.
وهذا الإهمال ينسحب الى سياسات عامة أخرى. بحسب النائب السابق طلب الصانع، يُمثل العرب في إسرائيل 30 بالمئة أيضاً من مجمل ضحايا حوادث الطرق، و53 في المئة من ضحايا حوادث العمل، 36 من أصل 66 ضحية. إلا أنهم أيضاً مجتمع أكثر شباباً، نسبة لبقية السكان، وأقل قدرة مادية. ولكن هذه أيضاً نتيجة سياسة وبرنامج تنمية يتسم بالتمييز.
في كتاب هلال فرش، "أمن إسرائيل ومواطنيها العرب"، إشارات لدراسات عن المجتمعات المنقسمة اثنياً ودينياً حيث يتمثل الطرف الأضعف بشكل هزيل بأجهزة الشرطة والأمن نسبة لعديده، في حين يُمثل أغلبية المعاقبين في السجون. في دولة استيطانية تتسع بانتظام على حساب السكان الفلسطينيين وتُعزز أدوات التمييز ضدهم، يُنظر الى الشرطة بصفتها قوة معادية ومعتدية، وبالتالي أي معالجة على أساس انخراط المجتمع المحلي في الجهاز هي سياسة فاشلة حكماً إذا لم تقترن بخطوات سياسية، هذا إن توافرت النية لذلك.
اتساع رقعة الجريمة هو نتيجة سياسات تمييز متعددة تراكمت عبر الأجيال. لكن تقاطع هذا الواقع مع أجندة سياسية هدفها الأساس "تصحيح" الخلل الديموغرافي في الداخل الإسرائيلي وفي الضفة الغربية، مقلق. لكثيرين في اليمين الإسرائيلي، تُمثل الجريمة المنظمة هدية مفاجئة قد يميل بعضهم لتعزيزها وليس القضاء عليها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها