"إبن عمي قوي ويملك نفوذاً في سوريا ولبنان وهو تاجر مخدرات"، هذه كانت شهادة ابن عم المعتقل حسن دقو الذي عُرف لاحقاً باسم "ملك الكبتاغون". ذاك أن النفوذ في سوريا ولبنان هو معبر ضروري لدى شبكات المخدرات الساعية الى تجاوز الحدود بين الدول، والتعامل مع الشبكات الميليشيوية والعشائرية والمطارات باتجاه الوصول إلى المشتري. وربما لو تتبعنا مسار الـ450 ألف حبة كبتاغون التي ضبطتها السلطات اللبنانية وهي في طريقها للخليج العربي، لوجدنا روابط بين الدولتين، سوريا ولبنان، وشبكة عابرة للحدود بينهما.
ومثال دقو، وبخاصة شبكة علاقاته، نموذج لفهم عمق هذه المشكلة وانتشارها في المشرق اليوم، انتاجاً وتوزيعاً، سيما أننا بدأنا نشهد تطورات متسارعة في هذا الملف، بدءاً من العقوبات الأميركية وانتهاء بالكميات الهائلة التي تُضبط إما في لبنان أو في الدول المستهدفة.
وهذا التطور غير منفصل عن واقعنا العام، رغم نُدرة الحديث عنه في الاعلام. صحيح أن الجمود السياسي وتلاشي حركة الاحتجاج يُوحيان بالاستقرار على مستوى البلاد، حتى بعد رفع الدعم عن كل السلع الأساسية، والدولرة واهتراء مؤسسات الدولة وخدماتها وعلى رأسها الكهرباء. لكن هناك متغيرين بطيئين نسبياً، الى درجة تجعلهما يغيبان عن الإعلام، رغم أنهما قادران على تشكيل واقع الحال في لبنان خلال السنوات المقبلة.
الأول هو انتاج الكبتاغون والإتجار به على مستوى متصاعد في لبنان حيث باتت هناك شبكات ومهربون ونفوذ سياسي (وطنياً وكذلك محلياً). وهذا متغير يتحرك في الفراغ السياسي والأمني الآيل إلى الاتساع بالفترة الأخيرة، ويرتبط أيضاً بتحول سوريا الى دولة أساسية في الإنتاج والتوزيع. في المحليات اللبنانية، يُلاحظ في المعلومات والبيانات المتوافرة والصادرة عن مؤسستي الجيش والأمن الداخلي، أن الجريمة المحلية باتت على ارتباط وثيق بشبكات الكبتاغون. بكلام آخر، أكثر الجرائم الحاصلة على الأراضي اللبنانية ترتبط بهذا المنتج، إما استهلاكاً أو توزيعاً. عمليات المداهمة لإحباط جرائم الخطف الكبرى، تُفضي الى العثور على معدات لانتاج الكبتاغون، أو الى العثور على حبوب بهدف التوزيع. بعض منفذي هذه الجرائم أيضاً من مستهلكي هذه الحبوب، وبات على ارتباط بشبكات التوزيع ويُنفذ أوامرها.
هكذا تنمو الجريمة المنظمة. لها رؤوس محددة في المركز لديها نفوذ سياسي عابر للحدود، وأطراف مترامية وشبكات محلية. حين تنمو القدرات المالية لهذه الشبكات، يتعزز نفوذها السياسي أيضاً. وهذه عملية غير مرئية، ليس بالإمكان توضيح حجمها ومسارها، بل تنمو بشكل سرطاني ونكتشفها حين تُصبح عصية على الحلول السريعة والمتوسطة الأمد. بل أكثر من ذلك، المشكلة مع نمو هذه الشبكات أنها حين تصل الى مرحلة متقدمة، يحتاج استئصالها واحتواء دورها في دولة مثل لبنان، تدخلاً ومساعدة خارجية ليست بعيدة عمّا نحتاجه على المستوى المالي والاقتصادي. وبالفعل، يتنامى اليوم الحديث دولياً واقليمياً عن هذا التهديد وكيفية مواجهته، وهذا يشمل الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودولاً عربية ومنظمات كالأمم المتحدة.
المتغير الثاني هو اهتراء الدولة اللبنانية بشكل عام، وتفكك قدراتها تدريجياً. الاستقالات في المراكز الحكومية التقنية والتخصصية، عملية أسبوعية، وفقاً لوزراء حاليين وسابقين. ومن يرحل لا يُستبدل. وفي وزارات أخرى، بات التعاقد مع مؤسسات خاصة لانهاء المشاريع والمهام المطلوبة شبه مستحيل. حتى المؤسسات الأمنية، تخسر كوادر ولا تستبدلها في ظرف حساس ومفصلي.
وهذا متغير أساسي ومستمر منذ سنوات، ويستدعي سؤالاً على ارتباط بقضية شبكات الكبتاغون في لبنان وسوريا. عندما يحين موعد المواجهة مع هذه الشبكات ويُتخذ القرار بها، بأي أدوات ستُواجه الدولة اللبنانية هذه الآفة؟
وبالسياسة، السؤال الأهم هنا هو أي ثمن سندفعه مما تبقى من السيادة اللبنانية في حال بات عجز الدولة في مكان بحيث يستدعي تدخلات عسكرية خارجية على غرار الضربة الجوية الأردنية أو مداهمات الجيش السوري على الحدود اللبنانية وربما أوسع من ذلك، أو حتى استدعاء ميليشيات البلاد وما أكثرها، لملء فراغات.
هناك من يُعد لنا فخاً ليس عابراً للحدود فحسب، بل للأجيال أيضاً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها