الصدمة كانت ردة الفعل الأولى غربياً - والمقصود بالغرب هنا حلفاء وأصدقاء لإسرائيل في الولايات المتحدة وأوروبا- على عملية إطلاق الصواريخ. لم تكن تتوقع الدول الغربية هذا الكم من الصواريخ، بل رجحت أن تقتصر على بضعة منها كرسالة قبل تصعيد محتمل، بما أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله سبق أن هدد بمواجهة إقليمية في حال التطاول على المقدسات في القدس الشرقية المحتلة.
لكن رد الفعل الإسرائيلي المحدود أثار بعض القلق الإضافي. ذلك أن الأسئلة المطروحة غرباً في الملف اللبناني، هي ماهية دور "حزب الله" وحلفائه الفلسطينيين في حال تعرض إيران نفسها لاعتداءات واسعة النطاق، إما في إطار تعاون أميركي-إسرائيلي أو من دونه.
شكلُ الاعتداء الإسرائيلي المحتمل، لافت أيضاً، ولو كان الموضوع ما زال في طور التنظير أو تعداد الاحتمالات. الضربة المتخيلة ستشمل، إلى جانب المفاعلات النووية، القدرات التصنيعية والتطويرية الباليستية وفي مجال المسيّرات، علاوة على منشآت حساسة. المطلوب هو ليس فقط تأجيل الملف النووي الإيراني لفترة محدودة، ولكن أيضاً التأثير في القدرة على تطوير السلاح وهذا يشمل المسيّرات والصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى. ذاك أن التقنيات الإيرانية باتت تصل الى أيدي الحلفاء، ليس فقط لجهة المنتج النهائي، بل أيضاً في توطين القدرات.
صار لدى تنظيمات مثل "حزب الله" وحركة "حماس" برامج وخبرات لصنع المسيّرات والصواريخ، وهي ليست سهلة، ولو أنها ليست بمستوى الكثير من الدول في العالمين الغربي والنامي. مثل هذه الضربة لإيران تعني كذلك نقلة نوعية من التركيز على الشبكة الإقليمية، إلى إعادة بناء القدرات الداخلية ومحاولة الرد. وكذلك تعني أيضاً الرد على الاتفاق السعودي الإيراني وتقويضه من خلال ارغام طهران على سلوك مارق يُحرج كل من يتمتع بعلاقات معها. ومن المفيد درس النقطة الأخيرة تحديداً كونها تُمثل الى حد ما رداً غربياً-إسرائيلياً على هذا التقارب الذي يُؤسس لدور صيني أوسع في المنطقة وسواها. أليس من المنطقي توقع رد أميركي أكبر على دور صيني يمنح بكين المزيد من الثقة بالنفس؟
وقد يسعى أيضاً رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بمثل هذه الضربات، الى التهرب من أزماته الداخلية، سيما لو مرر رزمة التعديلات المطلوبة في النظام القضائي، بما يُحافظ على ائتلافه. الهروب الى الأمام في مثل هذه المواجهة، يُتيح توحيد جبهة الداخل في زمن الأزمة، وبعضاً من الوقت لمناورات سياسية داخلية تُتيح استمرار الائتلاف الحاكم.
البديل المتوافر اليوم أمنياً وعسكرياً هو الاعتماد على الاختراق الأمني في منطقة نفوذ تنشط فيها أجهزة الاستخبارات المتعددة في ظل ظروف مواتية نتيجة انهيار الوضع الاقتصادي والمالي. في حال عدم انضمام الولايات المتحدة الى إسرائيل في توجيه ضربات واسعة، من المرجح أن تلجأ الأخيرة الى عمليات أمنية الطابع كمثل التفجيرات والاغتيالات وعمليات قصف باستخدام مسيّرات تنطلق لتنفيذ مهامها من داخل الدول المستهدفة، وهذا حصل في ايران مؤخراً على سبيل المثال. وهذه أيضاً جبهات متعددة، تُشبه الى حد ما توحيد جهود الفصائل المختلفة لمواجهة إسرائيل من أكثر من جهة، لا بل قد تكون تصعيداً أكبر يُظهر حجم الاختراق وينقل الخصم من طور التخطيط والتطوير، الى محاولة النجاة والعمل في سياق حالة طوارئ دائمة.
لكننا أيضاً أمام داخل إسرائيلي منقسم على نفسه، وقد يكون نظام الاحتلال نفسه عرضة للاختراقات الأمنية من الخصوم. وهذه طبعاً فرصة مواتية لأجهزة استخباراتية مختلفة وسط الخصوم، رغم أن أحداً منها لم يُظهر قدرة على ذلك وكفاءة في هذا المجال حتى اليوم.
المهم أن الجبهة الجنوبية في لبنان فُتحت اليوم، ومن الصعب اغلاقها نهائياً، بما أننا في خضم صراعات إقليمية ودولية ما زالت في بداياتها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها