كان يوم القدس الموافق الجمعة الماضي، مختلفاً جذرياً هذه المرة عمّا سبقه، لجهة الحضور وكذلك مضمون الخطابات والسياق العام للسياسة، مع عودة العمل الفلسطيني المسلح الى الواجهة وبشكل مختلف نوعياً عن السنوات الماضية.
على مستوى الحضور، كان لافتاً أن بيروت شهدت اجتماعاً لأقطاب العمل الفلسطيني المسلح في قطاع غزة. وليس الحضور منفصلاً عن السياق السياسي في حين وضع خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله اطاراً موسعاً للمواجهة. تحدث عن "ترابط ساحات محور المقاومة"، و"المعادلة الإقليمية لحماية القدس ومفادها أن زوال القدس والمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية يعني زوال إسرائيل... وهذا أمر لا يمكن أن يسكت عنه محور المقاومة، لا دوله ولا شعوبه وجيوشه ولا حركات المقاومة فيه". هذا يعني عملياً أن الصراع مع إسرائيل من لبنان ليس مرتبطاً بموضوع الدفاع عن الأراضي اللبنانية أو تحرير المناطق المتنازع عليها، كما كان قبل سنوات، أو حتى الرد على استهداف عناصر من "حزب الله" في سوريا، وهي مُعادلة جديدة ثُبتت بالفترة الماضية. في حال استهداف "المقدسات الدينية" في مدينة القدس، قرر الأمين العام للحزب بأن لبنان كذلك جزء من معادلة الرد على الجانب الإسرائيلي والدخول في مواجهة معه.
وهذا تطور نوعي في استخدام الأراضي اللبنانية للرد على اعتداءات خارج أراضيه، وهو يرسم دائرة واسعة للغاية خارج الحدود، وهي باتت تضم للآن استهداف عناصر "حزب الله" في سوريا، و"المقدسات الدينية" في القدس.
التوسع هنا تدريجي، ولا بد أن يكون مدروساً كجزء من استراتيجية إيرانية في لبنان خلال السنوات الماضية، باعتباره قاعدة أكثر أماناً للعمل على مستوى الإقليم وليس محلياً فحسب. خلال العقد الماضي، تحول لبنان الى مقر لتلفزيونات ونشاط سياسي عربي يدور في الفلك الإيراني. ومنذ بضع سنوات، وتحديداً بعد صعود يحيى السنوار الى قيادة حركة "حماس" في قطاع غزة (2017)، بدأت تتفكك عقد الأزمة بينها وبين "حزب الله". وبعد حصار قطر عام 2017 ، استقبلت بيروت نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري (مسؤول الحركة بالضفة)، وباتت تتشارك الاستضافة الخارجية مع إسطنبول. لكن أنقرة لم تعد في الموقع السياسي ذاته، بل تشهد اليوم تقارباً مع إسرائيل، بما انعكس على قدرة إسطنبول على لعب الدور ذاته في استضافة اجتماعات الحركة وقادتها. بعد العاروري القادم من قطر، هناك خليل الحية المسؤول عن العلاقات العربية والإسلامية بالحركة، وزاهر جبارين المسؤول عن ملف الأسرى والجرحى والشهداء، وكلاهما من الوافدين حديثاً من تركيا نتيجة تقاربها مع إسرائيل. وهناك تقارير إعلامية عن ترحيل تركيا 10 من مسؤولي "حماس" في إسطنبول، بينهم من هو على ارتباط بالملف العسكري، من دون أي معلومات عن وجهتهم، رغم وجود مؤشرات الى انها لبنان لعدد منهم.
بكلام آخر، بات لبنان المقر الثاني بعد غزة لقادة حركة "حماس". وهنا يفرض السؤال عن وجود الحركة عسكرياً نفسه. ولهذا إشارات عدة، بدءاً من محاولة اغتيال محمد حمدان أحد كوادر "حماس" في عملية فاشلة للاستخبارات الإسرائيلية في صيدا قبل أربع سنوات، مروراً بالظهور المسلح لدى زيارة إسماعيل هنية مخيم عين الحلوة، وانتهاء بتفجير مخيم البرج الشمالي في صور في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الماضي. قبلها بأيام، كانت صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية نشرت تقريراً عن وجود مسلح للحركة في منطقة صور، على ارتباط بقرار لحماس بتوسيع اطار استهداف إسرائيل، ليكون لبنان الى جانب غزة والضفة الغربية والقدس والداخل الإسرائيلي. طبعاً "حماس" نفت أن يكون الانفجار في مركز للأسلحة، رغم أن مقتل حمزة شاهين أحد كوادر الجناح العسكري للحركة فيه، لافت هنا، وكذلك بيان نعيه كـ"شهيد".
بغض النظر عن حجم الوجود العسكري للحركة، من الواضح اليوم أن هناك توجهاً لربط الساحة اللبنانية بكافة الجبهات حين اندلاع المواجهة المقبلة. يحصل ذلك بقرار أحادي للحزب ومن دون أي نقاش أو سجال محلي، سيما أننا في بلد خاض حرباً أهلية على عنوان القبول بسلاح المقاومة الفلسطينية من عدمه. ومن الصعب تخيل مآل البلاد في حال دخولها في مثل هذا الحروب وفي ظل هذه الظروف، إلا أن واقع الحال في لبنان يفرض تمرين المخيلة على الاتساع باتجاهات كارثية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها