أنا أخاطب روسيا وإيران؛ ليس لدينا أي مشكلة معكم"، هكذا قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الرغم من أن ما لا يقل عن 55 من الجنود الأتراك قد قتلوا على يد نظام الأسد المدعوم من روسيا في الشهر الماضي في إدلب، في حين قتلت الجماعات المدعومة من تركيا بعض الحلفاء المهمين لإيران هناك.
كانت كلمته التي تتضمن حجة أن الهدف الوحيد لأنقرة هو حل الأزمة الإنسانية على حدودها، تهدف إلى التخفيف على الشعب التركي الذي ينفجر غضبه على اللاجئين السوريين. كان هؤلاء الأشخاص يحاولون المرور إلى أوروبا بعد أن قررت تركيا عدم منعهم من القيام بذلك إثر خطاب لأردوغان قال فيه إنه إذا اعتقد الأوروبيون أن بلاده "ستواصل تغذية" اللاجئين فسيكونون مخطئين. وأضاف أن التطورات المتوقعة ستظهر من هم الأصدقاء ومن هم الأعداء.
التصعيد الأخير ليس الأول الذي يواجهه الروس والأتراك ويسفر عن مقتل جنود، ولكنه الأخطر بينهم، ورافقه تبادل للهجمات هو الأول بين تركيا والنظام السوري منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا.
في الحالات السابقة، التقى أردوغان وبوتين شخصياً وحلّوا قضايا مثل "الإخوة الكبار" في المنطقة. ومع ذلك، هذه المرة يتصرفون مثل المراهقين الذين يضعون الخناجر في عيون بعضهم البعض بينما يتنافسون على من سوف يسحب يده من النار أولاً.
لكن لا يزال لدينا أسباب للاعتقاد بأنه عندما يجتمعان في 5 آذار/مارس في موسكو، قد ينجحان في إبرام صفقة إذا غيّرا مزاجهما إلى "الإخوة الكبار". ولكن في الوقت الحالي، يحاولان كسب أوراق القوة ضد بعضهم البعض.
في الميدان، سارع الروس إلى إعلان أنهم سينشرون شرطة عسكرية في بلدة سراقب السورية، وهو أمر مهم للغاية لكل من النظام والمعارضة بسبب موقعها الحاسم على الطريقين السريعين "إم4" و"إم5" اللذين يربطان حلب باللاذقية ودمشق. جاء تحركهم المتسرع بعد الخسائر الفادحة للنظام بسبب غارات الطائرات التركية بدون طيار.
على المستوى الدبلوماسي، يزور مبعوث الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة كيلي كرافت والممثل الخاص لسوريا جيمس جيفري أنقرة، قبل الاجتماع الحاسم لبوتين وأردوغان في موسكو. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تشعر بالضيق من احتمال تدفق اللاجئين الجديد، حثّت على وقف إطلاق النار ومنطقة آمنة على الحدود السورية مع تركيا، تماماً كما تريد أنقرة.
كما أن روسيا لا تريد تصعيداً عسكرياً كبيراً في إدلب، لأنه لن يؤدي إلا إلى زيادة تدفق اللاجئين، وبالتالي، سيزيد الضغط الدولي على دمشق وموسكو. مثل هذا التصعيد يعارض أيضاً خطة موسكو ورغباتها في إعادة أنقرة ودمشق للانخراط بمحادثات، وليس زيادة القتال بينهما. علاوة على ذلك، قدّم الروس صيغة أستانة كبديل لمفاوضات السلام الدولية في جنيف وبهذه الطريقة تمكنوا من ترك الآخرين خارج الصورة ويريدون الحفاظ على ذلك. لكن عليها أن تبقي أنقرة في عملية أستانة.
تركيا التي تعاني بالفعل من بعض المشكلات الاقتصادية ليست على استعداد لإنفاق المزيد من الأموال والجنود للقيام بعملية عسكرية جديدة. كما أن لديها أسباباً للامتناع عن المشاكل الأخرى في ليبيا المرتبطة مباشرة بالوضع في سوريا الآن، بسبب المصالح المتضاربة مع موسكو هناك أيضاً. الأهم من ذلك كله، أن أنقرة ترغب بشدة بالاحتفاظ بالسيطرة على أراضي غصن الزيتون ودرع الفرات، التي تم الاستيلاء عليها بعد العمليات العسكرية ومنع إقامة جيب كردي محتمل هناك. تعتقد أنقرة أن هذه مصلحة حيوية وأن مغامرة في إدلب قد تعرض الوجود التركي في هذه المناطق للخطر.
حسناً، باختصار، لا يحتاج كلا الجانبين إلى تصعيد الموقف أكثر، بل التوصل إلى اتفاق.
مثل هذه الصفقة ستستند بلا شك إلى الوضع الجديد للطرق السريعة "إم4" "وإم5"؛ لن يكون مفاجئاً إذا عرضت موسكو على تركيا تسيير دوريات مشتركة في سراقب والطرق السريعة، كالدوريات المشتركة في الجزء الغربي من الفرات. نعلم أيضاً أن الروس في الوقت الحالي لا يريدون السيطرة على إدلب بالكامل وعرضوا على تركيا مؤخراً منطقة آمنة ولكن بعمق 5 كيلومترات فقط. كان رفض هذا العرض بداية التصعيد، لكن هذه المرة قد تزيد موسكو اقتراحها إلى أكثر من 5 كيلومترات.
ومع ذلك، إذا تم التوصل إلى مثل هذه الصفقة، فمن المؤكد أنها ستكون صفقة مؤقتة لأن النظام يريد السيطرة الكاملة على البلاد. لكن الأهم من ذلك، أن مثل هذه الصفقة تحتاج إلى أن يتصرف "الأخوة الكبار"، وليس المراهقين الذين يستخدمون اللاجئين والجنود الفقراء كخشب للنار التي يلعبون بها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها