الفيروس يذكِّر بفرانكنشتاين، وسلالته المتوحشة، ومن معطف فرانكنشتاين خرجت كل المخلوقات الخيالية المتوحشة، وعنوان الرواية الثاني، هو: إله النار الجديد.
فرانكنشتاين رواية كتبتها الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي (1797-1851)، تروي قصة فيكتور فرانكنشتاين، وهو عالم شاب يختلق مخلوقًا غريبًا في تجربة علمية مخبرية غير تقليدية. بدأت ماري شيلي بكتابة القصة عندما كان عمرها 18 عامًا، ونشرت الطبعة الأولى من الرواية دون إعلان هويتها في لندن في 1 كانون الثاني من عام 1818، وهي في العشرين من عمرها. يتحدث الوحش إلى خالقه فيكتور فرانكنشتاين قائلًا: (يجب أن أكون أبوك آدم، لكني بدلًا من ذلك صرت إبليسك)!.
شاع أيضاً أنَّ سبب المرض هو أكل لحم الخفاش، ورأيت في فيلم وثائقي، نسرَ الغابات العملاق وقد اصطاد خفاشاً، فحاول أكله ثم ازدراه، فلحم الخفاش لا يُشتهى. وقيل إنَّ سبب الوباء أكل لحم القرد، ولحم الفئران، ولا خلاف كثيراً، فالخفاش قرد يرتدي عباءة، والخفاش فأر طائر يلبس قفطاناً أسود!
الصينيون أتباع عقيدة كونفوشية أخلاقية، عملية، لم تنتشر خارج الصين، وهم قوم يبيحون كل شيء طعاماً. ورأيت فيلماً وثائقياً لأتباع نظرية داروين الغربية، يأكلون لحم قرد حيٍّ حُبس أسفل المائدة، وفي المائدة فتحة حُبستْ بها رأسه، باشر الأكَلَة فتحَ رأس القرد بساطور، وراحوا يأكلون لحمه حياً، وهو يستغيث، وكان حريّاً بهؤلاء ألا يأكلوا لحم أبيهم القرد حسب النظرية. ورأيت فيلماً آخر لصينين يأكلون لحوم البشر، ويعلّبونه، وذكر التقرير إنه للتصدير أيضاً.
يمكن أن أتذكر أفلاماً لا حصر لها عن المخلوقات التي خرجت من معطف ماري شيلي، على سبيل المثال، فيلم "سيمون"، الذي مثلّ بطولته آل باتشينو. سيمون مخلوق رقيق، لكنها فراشة الكترونية، ووثن أيضاً، وفيلم "البريداتور"، الذي مثّل بطولته أرنولد شوارزينغر.
تبدأ حياة جديدة غالباً بعد كل جائحة ووباء، لنذكر قصة النبي نوح عليه السلام، وقصص الأنبياء الذين أرسل الله على أقوامهم التي أنكرتهم الرجز وحجارة من السماء، فأصبحوا في ديارهم جاثمين. المفاسد التي ارتكبتها الأقوام والتي تستوجب النوازل الكبرى كثيرة، وقد صنعها الإنسان المعاصر بيده في المخابر، إنه كان ظلوماً جهولا. وفي رواية "الحرافيش" لنجيب محفوظ، تبدأ دورة حياة جديدة مع عاشور الناجي، كأنه آدم الخليقة في الحارة، بعد وباء نجا منه، درويش هو نظير إبليس في الحارة وشريرها، ولن ينقضي الشرّ على الأرض. طمح الغرب، وعلى رأسه أمريكا إلى الفردوس الأرضي، فرأيناه يمرض مرضاً قاتلاً.
عمل الغرب كثيراً لصناعة الفردوس، وشهير كتاب "نهاية التاريخ"، وكل فردوس له جحيم، مثل سوريا، وإيطاليا الآن. رؤيا الفردوس الأرضي غيبية "علمية"، تشبه الغيبية الدينية التواكلية، هدفها التقدم السريع نحو الفردوس العلمي المنظم الذي يعيش فيه الإنسان كالطفل في تناسق تام مع الطبيعة، وكأنه آدم قبل السقوط وقبل أن يكتسب معرفة الخير والشر، فالتقدم العلمي صار هدفاً بذاته بغض النظر عن العائد المعرفي والإنساني، أو السعادة والبؤس المجتلبين.
وهاهوذا ترامب يطمح إلى توظيف الكورونا لدورة رئاسية جديدة، أما السيسي والأسد، فيسعيان إلى مزيد من الأغاني والأناشيد والدعاية السياسية والبطولات، ويتعاملان معه كأنه ثورة، أو إخوان مسلمون. في التوراة: إن الله خلق العالم في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع من التعب، وكان نيتشه قد أعلن موت الله على يد الإنسان، وهاهو ذا الرب الجديد يرتاح سبعة أيام في الأسبوع، ماكثاً في بيته، خوفاً من دراكولا حقير لا يرى بالعين المجردة من المكبرات البصرية. المخلوقات الشريرة في الأدب العربي وخياله، من مخاليق الله، تُسجن أو تُؤسر، أو تُحرق بتعويذات أو بكلمات الله التامات، أما مخلوقات الشرّ الغربية المعاصرة، منذ أن سادت الآلة، وصار الإنسان لها عبداً، وهو يظن أنه سيِّدها، فهي وحوش كسرت قيودها، وصارت آلهة.
هناك فيلم كوميدي من جنوب إفريقيا في عام 1980 من تأليف وإخراج جيمي أويس، وهو الإصدار الأكثر نجاحًا من الناحية التجارية في تاريخ صناعة السينما في جنوب إفريقيا. ويروي قصة قبيلة برية أو "بدائية" حسب وصف شائع وظالم، تسقط عليها زجاجة كوكا كولا، فيشتعل الصراع بين أفراد القبيلة على امتلاكها، حتى كادت أن تدمّر القبيلة، وكأنها قنبلة. زجاجة وليس فرانكنشتاين. اسم الفيلم "الآلهة يجب أن تكون مجنونة"، وقد رأيته قديماً تحت عنوان: العالم يجب أن يكون مجنوناً.
كان يمكن أن أذكر مضار مشروب "دراكولا"، لولا أن هذا يُخرج عربة المقال عن سكتها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها