"المرّة دي كمان مش بتاعتنا، لكنها خطوة مهمة في طريقة المرّة بتاعتنا"... هكذا كتبت مواطنة مصرية في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وفي صياغتها البسيطة الذكية، لخّصت شعوراً عاماً، لدى المعارضين والمؤيدين، تجاه التظاهرات التي اندلعت مساء الجمعة في القاهرة وعدد من المحافظات.
تظاهرات لم تكن ضخمة (بالمعايير التي أرساها الربيع العربي)، لكنها مؤثرة بسبب ندرتها خلال السنوات المصرية الأخيرة، والتي شهدت قمعاً غير مسبوق لحق التظاهر وحرية التعبير. فكان، في انفلات وتحقق تظاهرات الجمعة، رغم القمع الذي واجهته في نهايتها، آمال وشكوك. آمال انبثقت من الوجوه الشابة "التي كان أصحابها أطفالاً وقت ثورة يناير". وشكوك بسبب "السماح" بانبعاث التظاهرات وعدم شن حملة أمنية مسبقة، كما الحال المعتادة في مثل تلك الدعوات، خصوصاً أن دعوة الجمعة جاءت "بصورة غامضة" من "المقاول الفنان" محمد علي، الذي ألقى أكبر حجر في بركة السياسة المصرية منذ سنوات، والذي طلب من المصريين النزول للتظاهر "بعد الماتش"، أي بعد مباراة القمة بين ناديي الأهلي والزمالك، والتي كان قد قُدِّم موعدها فجأة لمدة ساعة. غير أن دعوة عليّ، كانت أشد تواضعاً مما جرى بالفعل. فقد طلب النزول للوقوف فحسب أمام البيوت. أما التظاهرات فقد انطلقت مباشرة إلى رمز كل الميادين، ميدان التحرير، وواصلت الكرّ والفر مع قوات الأمن حتى ساعات متأخرة، قبل أن تختفي، بعد اعتقال العشرات، في أزقة القاهرة.
وفي غياب إعلام مستقل، وتحت أداء كلاسيكي معهود من الإعلام الرسمي يظهر "الميادين خالية" كالعادة، تصاعدت الشائعات في ليل القاهرة. فثمة مَن جزم بأن "السيسي مشي خلاص"، وأنه "مش راجع من أمريكا" حيث يرأس وفد مصر في جلسات الأمم المتحدة. وآخر أكّد بأن "صراع الأجهزة مشتعل"، وآخرون يشاركون بيانات منسوبة إلى رئيس الأركان السابق سامي عنان، المسجون بتهمة مخالفة الأصول العسكرية، والذي يتكلم في البيانات المنسوبة إليه عن المستقبل. وثمة بالطبع من لا يرى إلا أن "الناس كسرت حاجز الخوف..تاني". ولأن السخرية دائماً تحمل في داخلها ظلال الحقيقة، فقد كانت الكثير من النكات والصور الساخرة في شبكات التواصل الاجتماعي تطالب الأجهزة بـ"بإتمام الانقلاب بسرعة"، حتى يتسنى للناس الالتفات إلى أعمالهم.
عكست السخرية الكامنة في مطالبات "استعجال الانقلاب"، قناعة ترسخت عبر سنوات مصر الأخيرة، بأن مَن العبث تجاوز دور مؤسسة الجيش في أي تغيير سياسي. بل، أكثر من ذلك، المؤسسة العسكرية هي الفاعل الرئيس أو الحاسم في أي تغيير. قد يتطلب ذلك التغيير مشاركة شعبية ظاهرة، تطلب تدخل الجيش صراحة كما في 30 يونيو التي أطاحت حكم الإخوان المسلمين. أو قد يكون ذلك التدخل غير ملحوظ تقريباً، ومكتفياً بإرسال إشارات كما في 25 يناير، حين أصدرت المؤسسة بيانها في خضم الأحداث بأنها "لن تستخدم القوة ضد المحتجين". إشارات وتدخلات رسمت المشهد السياسي المصري دائماً في صورة ثلاثية تتوزع بين الشعب، الجيش، والرئاسة. صورة ينتصر فيها من تدعمه المؤسسة العسكرية أو ينجح في استمالتها.
هكذا، وفي تكرار لنسخة تغيير 30 يونيو، ناشد "المقاول محمد علي"، المؤسسة العسكرية، إطاحة الرئيس، مطالباً المواطنين بالتظاهر في الوقت نفسه (لإيصال رأيهم إلى الجيش). لكن الرئيس هنا ليس محمد مرسي. الرئيس السيسي من قلب المؤسسة العسكرية، والتغيير في هذه الحالة ليس "بالبساطة" نفسها. لكن "مبارك أيضاً كان مِن الجيش"، يقول آخرون.
ماذا يحدث غداً؟ لن يخاطر أحد بالجَزم بأي شيء، لكن المؤكد أن الهزة التي لحقت بصورة الرئيس، عبر شاشات الكومبيوتر وفي الشارع، لن يكون ما بعدها كما قبلها. فإما تغيير، وإما قمع أشد ضراوة، لو كان هذا ممكناً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها