غير أن "قتلى المطر" هؤلاء لم يذكرهم بيان الحكومة بكلمة ولو على سبيل التعزية، "لا شبكة تصريف أمطار في مدننا المختلفة" يعترف البيان، لكنه يبرر "مدننا القائمة تم تخطيطها من دون هذه الشبكة، نظراً لأن بلادنا من البلاد الجافة". غير أن الاستفزاز كان لا يزال في بدايته: "كلفة إنشاء شبكة منفصلة لتصريف الأمطار، مليارات الجنيهات، وإمكاناتنا المالية لم تكن تسمح بذلك". وكأن أزمة مصر السياسية لم تدُر في الشهور السابقة حول إنفاق الأموال الطائلة على القصور والعواصم الجديدة.
"معظم الدول لا تنفذ هذه الشبكات باهظة التكاليف، خصوصاً عندما لا تتعرض لمثل هذه الظروف الجوية الصعبة، إلا لفترات نادرة كل عام أو اثنين". وتسهل ترجمة هذه العبارة إلى أن "موت حفنة بسيطة من المواطنين أقل كلفة من إنشاء شبكات التصريف". غير أن التناقض يبلغ، بعد بضعة سطور من البيان، ذروة العبث: "إن ما شهدته البلاد، من سوء في الأحوال الجوية، من الممكن أن يتكرر في أكثر من مكان علي مستوى الجمهورية خلال الفترات المقبلة، وذلك في ضوء ما يشهده العالم من تغيرات مناخية، وموجات الطقس السيء تعرض له كثير من دول البحر المتوسط خلال الأيام القليلة الماضية". ثم يحذر مجلس الوزراء، المواطنين في محافظات شمال الدلتا، من أنه "طبقاً للتقارير الواردة من الجهات المعنية، فسوف تشهد محافظاتهم يوم الجمعة المقبل موجة من الطقس السيء"!
لا تكفي إعادة قراءة البيان، مئة مرة، لحلّ ذلك التناقض: فـ"بلادنا جافة" لا تلزمها شبكات لتصريف "الأمطار النادرة"، ومع ذلك: ستشهد البلاد "تكراراً لموجات الطقس السيء في الفترة المقبلة". ألا يعني ذلك أن تلك الأمطار لم تعد "نادرة"، وأن وصف" البلاد الجافة" لم يعد مناسباً، وأن تستدعي تلك "التغيرات المناخية" تغييراً مماثلاً في خطط البنى التحتية؟ لا يبدو ذلك، فـ"إمكاناتنا لا تسمح".
في الوقت ذاته، بلغ حجم الضرائب المحصلة من المواطنين، ما يساوي 70% من حجم الموازنة المصرية، وبلغ إجمالي ما أرسله المصريون في الخارج من تحويلات إلى الداخل حوالى 29 مليار دولار في عام واحد، أي أضعاف ما تحصّله مصر من إيرادات قناة السويس وإيرادات السياحة مجتمعة. ينفق المصريون العاديون، من جيوبهم مباشرة، على اقتصاد بلادهم، لكنهم، في لحظة الحقيقة، تُغرقهم زخّة مطر.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها