التقارب التركي الايراني في مواجهة الاستفتاء الكردي حول الانفصال واعلان الدولة في اقليم شمال العراق لا يعني بالضرورة انه سيتحول الى حلف ثنائي باتجاه حماية المصالح في التعامل مع الملفات الاقليمية.
التفاهم بين انقرة وطهران في العراق لا يتعدى حدود اقليم كردستان لا بل حدود اربيل ربما، حيث التقت المصالح في رفض ما أراد مسعود البارزاني فرضه عليهما. فسياساتهما متضاربة في كركوك وقنديل وسنجار وفي العلاقات مع اكراد السليمانية وشكل العلاقة مع بغداد وطرق بناء العراق الجديد.
الحديث عن احتمالات حصول تنسيق تركي ايراني في الملف السوري كما حدث في اربيل مؤخرا ليس من المبكر الحديث عنه فقط، بل من المستحيل توقعه، بسبب حجم نقاط التباعد والخلاف رغم النجاح الجزئي لتجربة تفاهمات الاستانة حول مناطق تخفيض التوتر. طهران ما زالت الحليف الاول والاقوى للنظام في سوريا وتركيا ما زالت تتصدر قائمة المناوئين. موسكو قد تكون نجحت في جمعهما أمام طاولة واحدة لكن مصالحها هي العامل الاساسي في فرض ترتيب الجلسات وتحديد مواد جدول الاعمال واختيار الحضور.
ايران تراهن دائما على عدم اكتمال مشروع اي تقارب تركي روسي في سوريا وهي كماعرقلت انجاز خطة درع الفرات في الباب تستطيع ان تكرر ذلك في جبهات التقاطع التركي مع النظام ووحدات سوريا الديمقراطية.
المساومات التركية الروسية في شمال سوريا حول ادلب وعفرين وتل رفعت سيكون لها ارتداداتها على السياسة الايرانية التي قد تتحرك للرد باتجاهين اذا ما شعرت ان ذلك يتم على حسابها : الضغط على النظام السوري ليقاوم المطالب الروسية ومحاولة لعب ورقة اكراد سوريا عبر تقريبهم اكثر الى النظام في اطار صفقة سياسية دستورية تعرقل الخطط الروسية.
ايران قادرة على تحريك اكثر من ورقة ضد انقرة أيضا اذا ما شعرت ان تقارب الاخيرة وانفتاحها على موسكو سيضر بحساباتها ومصالحها هي في سوريا. بين ما تستطيع طهران فعله مثلا تحريك مجموعات حزب العمال الكردستاني في قنديل وسنجار وكوباني لتفجير الوضع الامني على الحدود التركية العراقية والتركية السورية.
الخطط التركية الاخيرة حول توحيد قوى المعارضة السورية عسكريا قد تكون استجابة لمطلب روسي بهدف فتح الطريق امام الحوار والتمثيل السياسي امام طاولة المفاوضات المرتقبة بعد الاستانة المقبل. نتائج وقرارات اجتماعات الاستانة لناحية المشاركة وملفات البحث ستساعدنا على معرفة مسار ومستقبل العلاقات التركية الايرانية في سوريا لكنها ستكشف اكثر عن مواقفهما واوراقهما المستورة وطريقة تعاملهما مع سيناريوهات ومناورات روسية لا تنتهي حول الفدرالية والكونفدرالية والحكم الذاتي في سوريا. لكن هناك ما ينبغي قبوله والتسليم به ايرانياً وتركياً كذلك وهو ان المصالح الروسية في سوريا وما ستقوله موسكو هو الذي سيحدد شكل ومسار العلاقة بين انقرة وطهران في صناعة المشهد السوري الجديد أيضا.
بعد مرور عامين على انطلاقة الاستانة يدور النقاش حول بديل جديد تحت مسمى "مؤتمر الشعوب السورية " وهو اقتراح روسي يتعارض كليا مع اهداف ايران في سوريا وصلب مشروعها هناك وقد ترفضه انقرة كونه يفتح الطريق امام اشراك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المستبعد عن اية طاولة حوار بسبب الفيتو التركي. موسكو هي المحرك الاول في الملف السوري ومقولة انه كلما ازداد وترسخ التقارب التركي الروسي في سوريا كلما انعكس ذلك سلبا على مسار العلاقات الروسية الايرانية لم تعد مقبولة كثيرا لدى الروس. موسكو تريد الطرفين الى جانبها خلال بحث خطط اجتماع الاستانة المقبل الذي بدأ ينتزع دور لقاءات جنيف والانتقال بالمناقشات من المسائل الامنية والعسكرية الى التمهيد للحوار السياسي بين قوتين سوريتين محليتين احداهما تمثل النظام الذي يحمي حصة ايران والاخرى تنوب عن المعارضة المقبولة روسياً وايرانياً وتنسق مع تركيا من دون اهمال جوائز الترضية لبعض اللاعبين الاقليميين.
توحيد قوى المعارضة السورية في جيش واحد سيعقبه حتما تشكيل الجبهة العريضة لقوى المعارضة في وفد واحد تناقش موسكو بعيدا عن الاضواء تفاصيل تشكيله بما يرضي الشريحة الواسعة من حركات وتجمعات وهيئات المعارضة ولا يهمل ما يقوله بعض اللاعبين الاقليميين والدوليين.
كلما كرر الرئيس رجب طيب اردوغان أن المرحلة الثانية في خطة التحرك العسكري التركي في شمال سوريا ستكون عفرين بعد ادلب كلما زاد من غضب واشنطن ودفعها للتصعيد اكثر فأكثر ضد تركيا. مكسر العصا في العلاقات التركية الايرانية يكاد يكون الضغوط التي تتعرض لها انقرة من قبل الادارة الاميركية بهدف دفعها لتغيير سياستها الايرانية وهو ما ترفضه القيادة التركية حتى الان، خصوصا وان واشنطن تعتمد سياسة سورية تتعارض كليا مع الاهداف والمصالح التركية هناك.
كثر هم من يريدون أن يعرفوا كيف ستتصرف تركيا، والى جانب من ستقف، ومن ستختار في سيناريو المواجهة الاميركية الايرانية المتوقع ؟ هل ستمنحها الظروف والمعطيات فرصة الوقوف على الحياد عندما يتغير مسار الامور على الارض؟ هل سيكون بمقدور تركيا اللعب على التوازنات لعدم اغضاب الجانبين والدفاع عن مصالحها على طريقة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم ؟ ام ان التصعيد التركي المتزايد ضد واشنطن في الاونة الاخيرة مقدمة لتبرير اسباب القطع مع ادارة ترامب والانحياز التدريجي الى الجانب الروسي ؟
ما قد يتحول الى مفاجاة اخر لحظة ويتعارض تماما مع تهديدات الرئيس الاميركي لايران وما يقال حول محاولات اميركية مستمرة لتوريط ايران في المصيدة السورية هو احتمال ان تتقارب المصالح الايرانية الاميركية اكثر في سوريا كلما تقاربت المصالح التركية الروسية هناك وولادة سيناريو اعادة تجربة سبق وشاهدناها في العراق بعد عام 2005 وانتهت بخروج عسكري وسياسي اميركي من هناك لصالح ايران. لمَ لا يتكرر المشهد نفسه في سوريا هذه المرة عندما تشعر طهران وواشنطن بخطر التنسيق التركي الروسي المتزايد على الارض سياسيا وعسكريا بما يتعارض كليا مع مصالحهما في سوريا؟
انقرة تعرف جيدا ان القيادة السياسية الايرانية تريد امتلاك الكثير من الاوراق في ملفات حساسة لتلعبها لاحقا امام طاولة المساومات والصفقات مع واشنطن وموسكو لذلك هي لن تفرط بابسط ما تملكه من فرص غير حماية علاقاتها مع الكرملين، تمتين علاقاتها بحلفائها المحليين المحسوبين عليها في المشهد السوري.
في سوريا، تلتقي أحياناً وجهات النظر الروسية والتركية حول تقييد الطموحات الإيرانية هناك. لكن ما يجمع بين أنقرة وموسكو ويدفعهما إلى التعاون هو السياسة الاميركية السورية الجديدة أيضا.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها