على مدى الاعوام الخمسة الماضية، تخللتها ١٧ مبادرة سلام، بما فيها “خطة كوفي انان”، و“خطة الاخضر الابراهيمي”، فمؤتمرات جنيف ١ و٢و ٣، ثم “عملية فيينا”، فـ “المبادرة الرباعية”، و١٣ قرارا صادرا عن مجلس الأمن الدولي، فضلا عن ستة بيانات صادرة عن رئاسة هذا المجلس، ومازالت الادارة الاميركية متمسكة بمقولة ان الديبلوماسية هي الطريق الوحيد لانهاء الحرب في سوريا.
ويحاول الرئيس الاميركي باراك أوباما تصوير سعيه الديبلوماسي لدى روسيا على انه ينبع من انسانيته وتعاطفه مع مئات الاف السوريين القتلى والجرحى، وملايين المهجرين والمهاجرين. يوهمنا أوباما انه يتألم على السوريين، وانه حريص على انقاذهم، او انقاذ ما تبقى منهم.
لكن واقع الحال هو ان أوباما يسعى لانقاذ ماء وجهه هو، لا انقاذ السوريين من آلة القتل التي يسلطها عليهم الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه في روسيا وايران.
وقبل ١٣٠ يوما على رحيله، يعلم أوباما ان التاريخ سينصفه، وانه سيضعه في مصاف كبار الرؤساء الاميركيين، لولا النقطة السوداء الوحيدة على سجلّه، والتي تتمثل بالأزمة السورية.
أوباما كان بنى صعوده على صورته الانسانية، ونصرته للفقراء، ومساندته للمظلومين، وخصوصا دعمه للطبقة المتوسطة، كما بدا جليا في قانونه للرعاية الصحية لكل الاميركيين. وفي اولى سني حكمه، ادعى الرئيس الاميركي انه نصير كل المظلومين حول العالم، لا الاميركيين فحسب، ووقف في القاهرة ليحاضر في مسار التاريخ، وحقوق الانسان والديموقراطية، لكنه انتكس عند اول امتحان واجهه يوم زاره رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، وقال له ما مفاده “سأبني مستوطنات في اراضي الفلسطينيين، وأعلى خيلك اركبه”.
ثم جاء امتحان أوباما الثاني يوم خرجت جموع العرب في بعض عواصمهم تطالب بحريتها. وبدلا من ان يمد اوباما يده ويدعم مطالبي الحرية، كما وعدهم، راح يكيل الاتهامات لهم، فهم اما ارهابيون لا يجوز تسليحهم، او مقاتلون هواة ممن كانوا يعملون نجارين واساتذة وعمال بناء، اذا لا جدوى من تسليحهم.
في خمس سنوات هي عمر الثورة السورية، لم ينقطع أوباما عن النفاق يوما: يعلن تفهمه للاوضاع السورية الانسانية، ويعلن زيادة تبرعات بلاده للاجئين، وفي الوقت نفسه يأمل في سرّه ان يستمر الأسد حتى يبقى النظام ولا يسود المعارضون.
وفي خمس سنوات مضت، استند أوباما في عرقلته تسليح الثوار السوريين او تدريبهم، او فرض حظر جوي على مقاتلات الأسد ومروحياته، الى رأي عام أميركي مازال يلعق جراح حربي افغانستان والعراق، وبالتالي، لم يؤد تجاهل أوباما لنداءات السوريين الانسانية الى اي تراجع في شعبيته بين الاميركيين.
لكن الديموقراطيات مبنية على شعوب ذاكرتها قصيرة. عندما هب الرئيس السابق جورج بوش الابن الى حرب العراق، ساندته في قراره غالبية مطلقة من الاميركيين، من الجمهوريين والديموقراطيين، بما في ذلك كبرى الصحف والخبراء والمحللين. لكن يوم وقعت الشاة، وارتفعت التكاليف المادية والبشرية للحرب العراقية، كثر الجلادون، وانقلبوا كلهم على بوش.
ومن يقرأ الرواية التاريخية الاميركية حول حرب العراق، سيجدها في الغالب مزيفة، وسيجد ان اكبر الداعين لها في وقتها، مثل المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب، ادّعوا في ما بعد انهم من معارضيها. هكذا، من يقرأ التاريخ يعتقد ان بوش وحده ذهب الى حرب العراق، فيما الواقع هو ان اميركا كلها هي التي ذهبت الى تلك الحرب.
تجربة بوش في العراق قد تتكرر مع أوباما في سوريا. يوما ما، قد تقف البشرية مذهولة امام حجم الدماء والدمار، وسيتأسف الاميركيون على تخاذلهم، كما في الهولوكوست وكوسوفو وغيرها، وسيتمنون لو انهم اوقفوا مجازر الأسد. يومذاك، سيحمّل التاريخ الاميركي أوباما وحده مسؤولية التقاعس في سوريا، وسيصفها بالنقطة السوداء في سجلّه، وهو وصف بدأ يتردد هذه الايام.
ربما يدرك أوباما انه اخطأ في سوريا، وربما يعتقد ان بامكانه التوصل الى هدنة قبل اشهر من خروجه من الحكم حتى لا يسجل التاريخ انه سلّم خلفه أزمة مندلعة. وربما يتمسك أوباما بالديبلوماسية، من باب المحاولة فحسب، ليسجّل موقفاً في التاريخ يحفظ له ماء وجهه.
لكن كيفما اتفق، يبقى واقع الأمر ان الهدنة هي لانقاذ أوباما. اما مصلحة السوريين، فتكمن في حسم الحرب، لا تعليقها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها